أثار مرض الجذام الرعب في نفوس الجميع خلال فترة العصور الوسطى، بسبب المخلفات والتشوهات الخلقية التي تركها على ضحاياه. أيضا، آمن الجميع حينها بسرعة تفشي هذا المرض وانتقاله من شخص لآخر، فعمدوا لعزل جميع المصابين به وإرسالهم لمناطق نائية للعيش بمفردهم لبقية حياتهم.
وفي أوروبا، ظهر في العصور الوسطى مصطلح منازل لعازر (lazar) التي كانت عبارة عن مناطق نائية وجدت بالجبال أو بالجزر وخصصت لمرضى الجذام لضمان عزلهم عن بقية أفراد المجتمع. وقد جاء اسم لعازر نسبة لشخصية الرجل الفقير والمريض بقصة لعازر والغني بإنجيل لوقا.
وأشرفت السلطات الكاثوليكية في العصور الوسطى على ما عرف بمنازل لعازر التي كوّن أفرادها مجتمعا خاصا بهم بعيدا عن بقية البشر وعمد بعضهم لسك عملة خاصة بهم بعد رواج أفكار عن إمكانية انتقال العدوى عن طريق النقود.
واستمر تطبيق سياسة عزل المصابين بالجذام لقرون عديدة وامتدت هذه الإجراءات لتشمل العديد من الدول، ومن أهمها الولايات المتحدة الأميركية. فتماما كأوروبا، حرم مرضى الجذام بالولايات المتحدة الأميركية من الانتخاب والعمل والتنقل بحرية وزيارة أقربائهم وأجبروا على العيش بمجتمع خاص بهم تزاوجوا داخله وافتكت السلطات منهم أبناءهم عند الولادة لتجنب انتقال العدوى إليهم.
وإضافة لجزيرة بينيكيسي (Penikese) الصغيرة التي عمدت سلطات ولاية ماساتشوستس لشرائها مقابل 25 ألف دولار سنة 1904 والمنفى المخصص لهم بلويزيانا، مثّلت منطقة كالوبابا (Kalaupapa) التابعة لجزيرة مولوكاي بأرخبيل هاواي أهم منطقة استقبلت مرضى الجذام بالولايات المتحدة الأميركية حيث آوت الأخيرة على مدار 150 عاما نحو 8 آلاف مصاب.
وفي كالوبابا قضى المصابون بالجذام ما تبقى من حياتهم ففارقوا الحياة لاحقا ودفنوا بها وسمح لأفراد عائلاتهم بزيارتهم من دون الاقتراب منهم أو لمسهم حيث اعتمدت السلطات على سياج من الأسلاك للفصل بين المرضى وذويهم.
ويلقب الجذام أيضاً بمرض هانسن نسبة للعالم النرويجي غيرهارد أرماور هانسن (Gerhard Armauer Hansen) مكتشف البكتيريا المسببة للجذام عام 1873.
وبناء على التقارير الطبية، تتسببت العدوى البكتيرية في إلحاق أضرار جسيمة بالجلد والأعصاب لتترك المريض شبه مخدر وفاقدا للحس وعرضة للجروح والأمراض التي قد تودي بحياته بأي وقت.
وتشهد بعض أجزاء أجسام مرضى الجذام ظهور الغرغرينا، وهو ما قد يدفع الأطباء لبترها. وينتقل الجذام حسب العديد من الدراسات عن طريق رذاذ الأنف وأحيانا عن طريق ملامسة حيوان المدرع (Armadillos).
وبالفترة الحالية، يمتلك 95 بالمئة من السكان مناعة طبيعية ضد هذا المرض بينما من الممكن معالجة المصابين به عن طريق خليط من المضادات الحيوية.
لكن قبل ظهور العلاج، اتجهت السلطات الأميركية لعزل البكتيريا المسببة للجذام عن طريق فرض الحجر الصحي بأماكن مخصصة للمصابين به. ومقارنة ببقية أماكن الحجر الصحي، حصل المقيمون بمنطقة كالوبابا على العديد من الامتيازات فسمح لهم بتأمل المناظر الطبيعية الخلابة وممارسة الرياضة والتوجه للكنيسة.
حاول العديد من المصابين الفرار من مراكز العزل الإجباري وواجهوا عقوبات بالسجن داخل سجون مخصصة لهم بالمنطقة، كما طالبت السلطات الأميركية مرضى الجذام بتغيير أسمائهم حال قدومهم لتجنب بغض المجتمع لبقية أفراد عائلاتهم السليمين.
مع ظهورعلاج للجذام خلال الأربعينات، باشرت السلطات الأميركية بتخفيف القيود على المصابين به فمنحوا حق الانتخاب مجددا عام 1946 كما سمح لهم بإنشاء مشاريع صغيرة وطباعة مجلة محلية وإقامة احتفال سنوي.
وبينما زالت أغلب القيود المفروضة عليهم بالعديد من دول العالم خلال الأربعينيات، ظلّ المصابون بالجذام بالولايات المتحدة الأميركية معزولين لحدود أواخر الستينيات حيث وافقت السلطات لاحقا على منحهم معاشات سنوية بنحو 46 ألف دولار وخيرتهم بين الإنتقال نحو ديار المسنين أو البقاء بهذه الأماكن التي نشئوا بها.
العربية
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.