8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ظواهر مثيرة للقلق مصدرها العراق

كثيرة هي الظواهر التي تثير القلق في العراق. هناك أولاً حكومة تشكلت برئاسة السيد ابراهيم الجعفري ترفض أكثرية السنة العرب التعاطي معها من منطلق انهم ليسوا ممثلين فيها. وهناك تصاعد لأعمال العنف خارج "المنطقة الخضراء" التي تقع فيها الإدارات الرسمية المهمة والسفارة الأميركية، وهي المنطقة الوحيدة الآمنة في كل العراق... إذا استثنينا المنطقة الكردية ذات الوضع الخاص إذ يحرسها الأكراد أنفسهم.
ولكن يبقى أخطر ما في التطورات الأخيرة الدعوات التي صدرت عن سياسيين عراقيين بمن فيهم رئيس الجمهورية الجديد السيد جلال طالباني من أجل الاستعانة بميليشيات الأحزاب في مواجهة الإرهاب الذي تمارسه التنظيمات الإسلامية المتطرفة بزعامة أبو مصعب الزرقاوي. ويعتبر الزرقاوي الذي ليس وهماً، كما يعتقد كثيرون، ممثلاً لأسامة بن لادن في العراق. ولكن ما لا بد من الإشارة اليه أن ما يغذي جماعات الزرقاوي التي تقتل وتذبح وتنفذ عمليات انتحارية بواسطة عرب وعراقيين ليس الفكر المتطرف فحسب، بل إن هناك عاملاً آخر لا يمكن تجاهله أيضاً. يتمثل هذا العامل في أن الاحتلال الأميركي لا يحسن التصرف مع العراقيين من جهة وأن الجماعات التي تولت السلطة بعد الانتخابات تتصرف من منطلق أن همها الأول القضاء على كل اثر للسنة العرب في العراق من جهة أخرى. هذه الجماعات، على رأسها حزب "الدعوة"، الذي ينتمي اليه الجعفري، أو "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" أو شخصيات من نوع السيد أحمد الجلبي الذي لديه حسابات يريد تصفيتها مع آخرين معتمداً على صقور الإدارة الأميركية أحياناً وعلى الأجهزة الايرانية في أحيان أخرى، تتصرف من منطلق أن العراق صار شيعياً، وأن كل الوسائل صارت مباحة لتكريس الواقع الجديد.
إنها سياسة قصيرة النظر على غرار تلك التي كان يتبعها صدام حسين ونظامه البعثي ـ العائلي، بل العائلي ـ البعثي إذا أخذنا في الاعتبار أن النفوذ العائلي والمناطقي طغى في معظم الأحيان على كل ما عداه، وأن البعث لم يكن سوى وسيلة للقول إن هناك عباءة تغطي بها العائلة هيمنتها على الحياة السياسية. مثل هذه السياسة القصيرة النظر لا تبني دولة حديثة، لا في العراق ولا في غير العراق، وهي تؤدي في نهاية المطاف الى نفور الأكراد على الرغم من إعطائهم رئاسة الدولة. وكلما مر الوقت يتبين أن وصول طالباني الى الرئاسة مرتبط بالرضا الايراني أكثر من أي شيء آخر، وبأنه سيكون وسيلة لتمرير مرحلة معينة تستطيع خلالها الأحزاب الدينية التي تحالفت قبل الانتخابات الإمساك بمفاتيح السلطة خصوصاً الأجهزة الأمنية.
ليس كافياً أن يقول قادة عسكريون أميركيون إن بلادهم ربحت حرب العراق وذلك مع اعترافهم بتصاعد العمليات الإرهابية. ثمة حاجة الى التفكير في مستقبل البلد من منطلق أن الانتخابات التي حصلت أواخر كانون الثاني الماضي والتي تحدى فيها العراقيون الإرهاب والإرهابيين وتوجهوا الى صنادق الاقتراع، دليل على أن في الإمكان إقامة بلد ديموقراطي في المنطقة، وثمة حاجة الى الاعتراف بأن لا بد من ايجاد توازن سياسي حقيقي في العراق، توازن لا يؤدي الى إلغاء السنة العرب والى جعل الأكراد يفكرون يوماً بعد يوم كيف عليهم الاستفادة من الظروف الاقليمية والدولية والداخلية لإقامة كيان شبه مستقل عن الحكومة المركزية في بغداد.
إن العراق الجديد لا يُبنى على طريقة تشكيل حكومة ابراهيم الجعفري الذي حاول كثيرون من داخل القائمةالشيعية نفسها وضع العراقيل أمامه. ومثل هذا العراق لا يُبنى بالدعوة الى الاستعانة بالبشمركة الكردية وقوات لواء "بدر" التابع للمجلس الأعلى، والذي كان في ايران قبل أن يسقط الأميركيون النظام العراقي، لضبط الأمن. إن العراق الجديد يمكن أن يُبنى بالخروج من فكرة الانتقام ولا شيء غير الانتقام.
فالانتقام الفعلي من صدام حسين ونظام "المقابر الجماعية" الذي أقامه يكون بتوفير فرص متكافئة لجميع العراقيين وبالاتيان بأفضل العراقيين الى المواقع المهمة في الدولة بغض النظر عن المذهب أو المنطقة أو العشيرة.
لا أحد ينكر أن الشيعة والأكراد ظلموا في عهد صدام حسين، ولكن لا أحد يستطيع تحميل السنة العرب وحدهم مسؤولية ما فعله صدام منذ العام 1968. كل ما في الأمر أنه لا مفر في المرحلة المقبلة، وهي مرحلة وضع دستور دائم للبلد، من تفادي السقوط في فخ إقامة دولة دينية في العراق على غرار الجمهورية الإسلامية في ايران. مثل هذا الخوف قائم فعلاً في ضوء الرفض المستمر للاعتراف بأن سنة العراق ليسوا تلك الأقلية التي يتصورها البعض وأنه من دون الاتيان بهم شركاء أساسيين في أي حكومة أو أي صيغة حكم، لن يسير الوضع العراقي سوى من سيئ الى أسوأ مهما تبجح القادة العسكريون الأميركيون بالنجاحات العسكرية!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00