8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تبقى إسرائيل الاستثناء؟

تشهد المنطقة هذه الأيام أحداثاً أقل ما يمكن أن توصف به أنها تاريخية. تصب هذه الأحداث في اتجاه واحد هو إعادة تركيب الشرق الأوسط بطريقة لا يعود مسموحاً لأي دولة من دوله التعاطي في أمور وقضايا تقع خارج حدودها. ويظل السؤال الكبير الذي يرافق هذه الأحداث هل سيوضع حد للاحتلال الإسرائيلي الذي يبقى أحد العوامل الأساسية في زعزعة الاستقرار الاقليمي؟ أم تبقى إسرائيل استثناء لتكون الدولة الوحيدة الخارجة عن القانون ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أيضاً؟
في لبنان سيكون الحدث التاريخي الانسحاب الكامل للجيش السوري من أراضيه قبل حلول نهاية نيسان الجاري. من كان يصدق أن مثل هذا الأمر يمكن أن يحصل؟ من كان يتجرأ على أن يحلم بذلك؟ ومن كان يصدق أن الانتخابات لا يمكن أن تجري قبل أن يكون السوريون من عناصر عسكرية وأمنية خارج الحدود اللبنانية؟ مثل هذا الحدث في غاية الأهمية وهو في حجم خروج القوات الفلسطينية من لبنان صيف العام 1982. وإذا كان اللبنانيون غير قادرين الآن، بسبب ضغط الأحداث الداخلية وتسارعها، على استيعاب أهمية الانسحاب السوري الكامل ومغزاه، إلا أنهم لا بد أن يتأكدوا من أمر واحد على الأقل. يتمثل هذا الأمر في أن الانسحاب السوري سيعني ان هناك معطيات جديدة في الشرق الأوسط تشكل جزءاً لا يتجزأ من إعادة رسم خريطة المنطقة.
في العراق حصل ما حصل، وبعد عامين على سقوط نظام صدام حسين البعثي ـ العائلي ما يزال البلد يبحث عن هويته التي يمكن أن يجدها في التحول الى بلد ديموقراطي حقيقي. يشجع على ذلك تولي السيد جلال طالباني رئاسة الجمهورية في خطوة يمكن وصفها بأنها حضارية بكل معنى الكلمة نظراً الى الظلم التاريخي الذي لحق بأكراد العراق.
لكن التحولات العراقية لا تزال في بدايتها خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن مسائل كثيرة لم تحسم بعد على رأسها مدى النفوذ الايراني في العراق. وعلى الأصح هل ستنجح ايران التي كانت القوة الاقليمية الوحيدة التي دعمت عملياً الحرب الأميركية على العراق في الاستفادة من إسقاط نظام صدام حسين الذي كان لديها ثأر تاريخي عليه... أم أن إسقاط النظام العراقي سيؤدي إلى انعكاسات عليها تحول دون تحقيقها المكاسب المرجوة؟. ولا شك أن على رأس المكاسب التي كان النظام الايراني يأمل بها تحول العراق دولة شيعية على طريقة ما حصل في ايران، ذلك أن هناك فارقاً بين العربي والفارسي، إضافة الى أنه لا يمكن شطب السنة العرب من المعادلة العراقية مثلما أنه لا يمكن تجاهل الطموحات الكردية حتى لو كان جلال طالباني من أكثر الشخصيات الكردية العراقية قرباً الى طهران.
لا يزال العراق يبحث عن هويته، لكن ذلك لم يحل دون بدء ظهور انعكاسات للحدث العراقي على ايران. والدليل على ذلك ما تشهده منطقة أهل الأهواز (عربستان للعرب وخوزستان للايرانيين) حيث الأكثرية عربية.
فعلى الرغم من أن تلك المنطقة الايرانية الواقعة على الضفة الأخرى من شط العرب وقفت ضد الغزو العراقي لايران عام 1980، إلا أن أهلها يعانون منذ فترة طويلة من ظلم شديد، وليس مستغرباً أن يأتي تحركهم هذه الأيام للتذكير بأن لدى ايران مشاكل مع أقلياتها لا تقل عن المشاكل التي يعاني منها العراق وأن تركيبتها لا تسمح لها في المدى الطويل بأن تلعب في المنطقة أدواراً تفوق حجمها.
عاجلاً أم آجلاً ستضطر ايران بدورها الى الانكفاء على نفسها والبحث عن حلول لمشاكلها الداخلية خصوصاً تلك المتعلقة بتطلعات الشباب الايراني التي لا علاقة لها بمبادئ جمهورية الخميني وشعاراتها لكن ذلك لا يمنع من التساؤل مجدداً هل يجوز أن تظل إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على لعب أدوار تفوق حجمها؟
ثمة إشارات مشجعة صدرت عن واشنطن وعن الرئيس بوش الابن بالذات بأن على إسرائيل التوقف عن توسيع مستعمراتها، لكن ذلك ليس كافياً. ثمة حاجة أكثر من أي وقت الى دور أميركي فاعل يؤدي للقول للإسرائيليين أن كفى تعني كفى وأن لا استقرار في الشرق الأوسط الكبير أو الصغير من دون تسوية معقولة تنهي الاحتلال.
من دون مثل هذا القرار الأميركي، ستبقى سوريا خارج لبنان وهذا جيد، وسيظل الوضع يتفاعل في العراق... وربما نحو الأسوأ، وستجد ايران أن لديها مشاكل داخلية أكبر بكثير من المشاكل التي تسعى إلى أن تكون طرفاً فيها خارج أراضيها.
لكن كل هذه المعطيات بحسناتها وسيئاتها لن تقود الى وضع مستقر في منطقة فيها القسم الأكبر من احتياط النفط العالمي. هل هذا ما تريده أميركا؟ أم ستفاجئنا مع إسرائيل مثلما فاجأتنا مع غيرها؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00