8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان مقبل على فترة هدوء!

في الاستطاعة القول من دون الدخول في مغامرة أن لبنان يمكن أن يكون مقبلاً على مرحلة من الهدوء تحضيراً لمرحلة ما بعد الانسحاب العسكري والأمني السوري من أراضيه. إنها مرحلة أقل ما يمكن أن توصف به أنها تاريخية، ذلك أنها المرة الأولى منذ نحو تسعة وعشرين عاماً لن يكون فيها جندي سوري بلباسه العسكري على أرض لبنان.
عانى لبنان كثيراً من التجاذبات الاقليمية في الشرق الأوسط. وإذا كان لبنان عرف كيف يحافظ على أرضه في العام 1967 ولم يرتكب الأخطاء التي ارتكبها العرب الآخرون عشية حرب الأيام الستة، إلا أنه ما لبث أن دفع ضريبة كبيرة جرّاء رفض العرب اتخاذ قرارات شجاعة تعفيه من تحمّل أعباء ليس في مقدوره تحملها على رأسها الوجود الفلسطيني المسلح على أراضيه... وهو وجود قاد لاحقاً إلى الوجود السوري.
في هذه الأيام التاريخية التي يعيشها لبنان وتعيشها معه المنطقة بأسرها، لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها، لا بد من الاعتراف بأن العرب ارتكبوا أخطاء في حق لبنان، ولكن لا بد في الوقت نفسه من أن يعترف اللبنانيون بأنهم ارتكبوا أخطاء ضخمة في حق بلدهم وأن المسؤولية لا تقع على الآخرين فقط، بل أنهم يتحمّلون جزءاً لا بأس به منها لأنهم لم يدركوا يوماً أن اللجوء إلى السلاح لحل الخلافات الداخلية وقوع في فخ نصب لهم.
لماذا يبدو لبنان مقبلاً على فترة من الهدوء؟ لسبب في غاية البساطة يختصر بأنه أمكن أخيراً الوصول إلى تسمية رئيس لمجلس الوزراء وضع لنفسه برنامجاً واحداً يتلخص بفكرة إجراء انتخابات سريعاً بدل انتظار ستة أو سبعة أشهر على أمل أن تكون هناك معطيات جديدة في البلد تقود إلى انفراط عقد المعارضة.
كان ذلك الرهان الطريق الأقصر لاستحضار مزيد من التدخل الدولي في الشؤون اللبنانية، ذلك أن العالم المتحضر على رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخذ موقفاً واضحاً من الموضوع اللبناني يقول إن على الجبش السوري والعناصر الأمنية التابعة له (أو التابع لها) الانسحاب من لبنان كلياً قبل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر أي في أيار المقبل. وكل ما عدا ذلك سيجر مزيداً من القرارات الدولية تصدر عن مجلس الأمن وتزيد من عزلة سورية ولبنان على الصعيد الدولي.
ما حصل أن رئيس الوزراء المكلف التزم إجراء الانتخابات في أسرع وقت. وهذا يعني بكل بساطة سقوط الرهان على تأجيل الانتخابات وإدراك سوري لمخاطر هذا التأجيل وانعكاساته السلبية على دمشق. كذلك يعني ذلك أن الانتخابات ستجري وفق المعطيات الجديدة التي خلفها استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وفي مقدم هذه المعطيات وجود أكثرية شعبية مع المعارضة، أكثرية قادرة على السيطرة على المجلس النيابي الجديد أياً يكن القانون الذي سيتحكم بالانتخابات. ولم يعد مطلوباً من الحكومة الجديدة سوى التزام كلمة رئيسها والقاضية بإجراء الانتخابات في موعدها من جهة والتصرّف بحد أدنى من الحيادية في أثناء العمليات الانتخابية من جهة أخرى.
الأمل كبير في أن تلتزم السلطة اللبنانية ما تعهدت به، خصوصاً أن سورية بدأت تستوعب معنى أنه توجب عليها أخيراً الانصياع للقرار 1559 الذي اعتبره بعض مسؤوليها في البداية قراراً "تافهاً"، والأهم من ذلك كله ألا يحسب أي طرف لبناني أنه انتصر. على العكس من ذلك أن الانتصار يكون بالتفكير جدياً في المستقبل وبالسعي إلى الاستفادة من تجارب الماضي. وتجارب الماضي تقول ان لبنان لم يستعد دوره إلا بعدما جاء شخص اسمه رفيق الحريري عمل على مد الجسور بين بلده والعالم العربي أولاً وعلى إثبات أن لبنان المستقر يخدم الاستقرار الاقليمي وعلى بلورة مشروع للانماء والاعمار أعاد الحياة إلى وسط بيروت أي إلى قلب لبنان. وفوق ذلك كله كان اتفاق الطائف الذي شكل تسوية تاريخية وكان الحريري عرّابه.
إن الانتصار الوحيد الذي يمكن أن تحققه المعارضة أو الحكومة الجديدة يكون بالعمل من أجل إظهار أن اللبنانيين يستحقون رفيق الحريري فعلاً وأنهم تعلموا شيئاً من مآثره وخدماته. وكل ما عدا ذلك انتصارات وهمية لا تقود إلى شيء باستثناء أنها تقود إلى جعل أحد الأمثلة الفرنسية ينطبق على الشعب اللبناني وزعمائه. يقول هذا المثل مشيراً إلى أفراد العائلة التي كان ينتمي إليها ملوك فرنسا: "لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً"، أي أنهم لم يتعلموا شيئاً من التجارب التي مروا فيها والتي أدت إلى الثورة ولم ينسوا شيئاً من عاداتهم القديمة.
هل بات في الامكان القول ان اللبنانيين تعلموا شيئاً ونسوا عاداتهم القديمة؟ هذا رهان على شباب لبنان أولاً الذين أدركوا قبل غيرهم مغزى استشهاد رفيق الحريري وكيف العمل من أجل أن يستحق اللبنانيون رجلاً بقامته!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00