8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا انتصر رفيق الحريري؟

عندما توافق السلطة اللبنانية ممثلة برأس الهرم على لجنة التحقيق الدولية، فإنها تكون بذلك قد تراجعت عن موقف سابق تذرع بالسيادة لرفض مثل هذه اللجنة التي لا هدف لها سوى جلاء الحقيقة.
يعتبر الوصول الى لجنة التحقيق الدولية والقبول بها بعدما صارت أمراً واقعاً دليلاً جديداً على الخطأ الكبير في الحسابات الذي ارتكبه أولئك الذين خططوا لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونفّذوا تلك الجريمة التي هي في مستوى الغزو العراقي للكويت. والمقارنة بين الجريمتين ممكنة نظراً الى أن اجتياح النظام العراقي للكويت استهدف إلغاء بلد بكامله. كذلك إن اغتيال رفيق الحريري بمثابة محاولة لإلغاء لبنان لا أكثر ولا أقل. فالرجل لم يكن مجرد زعيم لبناني عادي حقق إحدى أغلى أمانيه عندما صار زعامة وطنية مرتبطة بالقوى الفاعلة عربياً وعالمياً، بل كان رمزاً لنهوض لبنان وقدرته على الاستمرار، وأن يكون مركزاً للإشعاع الحضاري في المنطقة. لبنان في النهاية دور.
إنه دور على الصعيد المالي في وقت بدأت الاستثمارات العربية تتدفق عليه، خصوصاً في ضوء الفورة النفطية الجديدة ولذلك يمكن القول إن لبنان لن يرضخ للحكم الذي أصدره منفذو الجريمة في حقه وسيقاوم من أجل استعادة دوره الذي سعى قتلة رفيق الحريري الى إلغائه.
كانت حسابات منفذي الجريمة والمخططين لها في غاية البساطة. ظنّ هؤلاء أن أسبوعاً سيمضي وتعود الأمور الى مجاريها. لم يحسبوا أن الشعب اللبناني كله سينتفض، ولم يحسبوا أن العالم سيتحرك، وأن مجلس الأمن سيرسل بعثة لتقصي الحقائق تضع تقريراً لا سابق له في تاريخ الأمم المتحدة وذلك تمهيداً لتشكيل لجنة دولية لن يتوقف عملها قبل التوصل الى جلاء الحقيقة.
لا يمكن للمواطق اللبناني والعربي أن يتحدث عن انتصار على الرغم من أن الذي حصل إن في لبنان أو في المنطقة أو في العالم بعد اغتيال رفيق الحريري سابقة تؤسس لحالة جديدة في الشرق الأوسط، ذلك أن لا شيء يعوّض خسارة الرجل الذي استطاع إعادة لبنان الى الخريطة السياسية للعالم بعدما كان لسنوات طويلة مجرد "ساحة".
لم تكن قوة رفيق الحريري تكمن في أنه صانع الأحلام فحسب، بل إن المصدر الآخر لقوته كان في تلك القدرة على استيعاب مغزى التغييرات التي تشهدها المنطقة والعالم وذلك خلافاً للذين اغتالوه. هؤلاء لم يتخيّلوا يوماً أن في استطاعة لبنان أن يعود وطناً، لم يتخيّلوا أن رفيق الحريري أعاد بناء الطبقة المتوسطة اللبنانية التي صارت لها امتداداتها في كل الطوائف والمذاهب والمناطق، وكانت هذه الطبقة المحرّك الفعلي للتظاهرات التي تلت اليوم المشؤوم، يوم 14 شباط 2005,.
من كان يصدّق أن القمة العربية التي انعقدت في الجزائر لم يكن فيها حديث حقيقي بين الزعماء العرب سوى عن رفيق الحريري ومرحلة ما بعد رفيق الحريري؟ ومن كان يصدّق أن اللحمة ستزداد بين اللبنانيين بعد الجريمة في حين أن المخططين والمنفّذين كانوا يتوقعون اقتتالاً بين اللبنانيين؟
ما حاول رفيق الحريري قوله في حياته ولم يجد في أروقة السلطة من يفهمه، إنه يقوله حالياً وبالفم الملآن من حيث هو، إنه يتلو مجدداً فعل إيمان بلبنان، لبنان العربي المنفتح على العالم، لبنان الذي لا بد أن يعود الى ما كان عليه قبل استشهاد الرجل الذي يصفه تقرير بعثة تقصّي الحقائق الدولية بأنه "أهم شخصية في لبنان" مستغرباً كيف لا توفر الحماية له، الحماية التي تليق بأهم شخصية في البلد.
مشكلة الذين خططوا لاغتيال رفيق الحريري ونفّذوا الجريمة أن العالم لن يهدأ قبل معرفة الحقيقة. وإذا كان هؤلاء يعتقدون أن تفجيراً هنا وآخر هناك وثالثاً في منطقة صناعية سيساهم في تغطية الحقيقة، فإنهم يرتكبون خطأ جديداً. ذلك أن هذه التفجيرات ستزيد العالم، ممثلاً بالأمم المتحدة، إصراراً على معرفة الحقيقة والاقتصاص من الجناة. لقد قتلوا رفيق الحريري لأنهم لم يعرفوا من هو الرجل ولأنهم لم يعرفوا أن هناك عالماً تغيّر. إن ما كان يمر بلا عقاب في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات صار جريمة في حق الإنسانية سيحاسب مرتكبوها أينما كانوا...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00