8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بعض الصراحة الذي فات العرب في قمة الجزائر

من حسن الحظ ان قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليست متروكة للقمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الجزائر. والدليل على ذلك ان القمة اكتفت بالمرور مرور الكرام على موضوع هو بمثابة زلزال ليس بالنسبة الى لبنان فحسب، بل الى المنطقة كلها.
ومن حسن الحظ أيضاً انه كان هناك حضور غير عربي في القمة. وكان أفضل تعبير عن هذا الحضور رجل اسمه كوفي عنان تحدث عن رفيق الحريري، معطياً اياه بعض حقه معوضاً عن التقصير العربي في هذا المجال. ولم يكتف عنان بالاشادة بصفات الرجل الكبير الذي استشهد من أجل لبنان والعرب وقضاياهم المحقة فوصفه بأنه "كان لبنانياً وطنياً ورجل دولة من الطراز الأول وكان له حضور في غاية الأهمية في الأسرة الدولية"، بل ذهب الى حد التشديد على أهمية ان يكون هناك تحقيق دولي في الجريمة.
هل كثير على رفيق الحريري وعلى لبنان ان يكون هناك مثل هذا التحقيق الذي كان يفترض بالقمة ان تتبناه؟ أم ان القمة مثلها مثل الذين اقترفوا الجريمة البشعة في حق كل ما هو عربي نقي، تفضل بدورها التغطية على الحقيقة؟
كان يفترض في القمة الارتفاع الى مستوى الحدث بدل ان تتحول الى قمة الفشل وذروته، ذلك ان موضوع لبنان في حجم التحديات الأخرى التي تواجه العرب في هذه المرحلة بدءاً بالعراق وانتهاء بفلسطين والسودان مروراً بالاصلاحات السياسية المطلوبة وعلى رأسها حقوق المرأة.
ما يمكن قوله بعد القمة ان معظم المشاركين فيها لم يتمكنوا من أن يكونوا في مستوى التحديات المطلوبة. اما السلطة اللبنانية فقد اتخذ عنها قرار يقضي بالانكفاء، ربما كي لا يأتي من يسأل عن سير التحقيق في استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ولا تكون زلة لسان أخرى من نوع تلك التي صدرت عن رئيس الجمهورية الذي تحدث عن "رذالة" أو وزير الاعلام في الحكومة المستقيلة الذي اعتبر ان الجريمة نفذت بواسطة "عملية استشهادية". كانت فضائح المسؤولين اللبنانيين كافية كي لا يكون هناك حضور لبناني في القمة والاكتفاء بالحضور السوري.
لكن حظ الذين أرادوا تغييب لبنان عن القمة كان سيئاً بسبب الحضور الدولي ممثلاً بأنان والغربي ممثلاً برئيس الوزراء الاسباني ووزير الخارجية الفرنسي وغيرهما. واذا كانت الكلمات التي ألقتها الوفود الأجنبية دلت على شيء، فعلى مدى الأهمية التي كان يعلقها العالم على شخص رفيق الحريري بصفة كونه شخصية قادرة على ربط المنطقة بالعالم والتعاطي معه من أجل التوصل الى حلول تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة، أي مصالح العالم ومصالح العرب في آن.
في الوقت الذي كانت القمة منعقدة، وفي الوقت الذي كان معظم الزعماء العرب يتحدثون عن لبنان في الكواليس ولا يتجرأون على طرح الموضوع في اطاره الصحيح، كان الرئيس جاك شيراك يشارك في القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل. ما عجز عنه العرب في القمة قام به شيراك الصديق الحقيقي للبنان والحريص عليه. تطرق الرئيس الفرنسي الى الانفجارين الأخيرين في الكسليك ونيو جديدة وحمل على "الذين يراهنون على تفاقم الأوضاع والذين يريدون القول انه دون الوجود السوري ستعود الى لبنان الفوضى والاعتداءات".
لم يكن مطلوباً من القمة اتخاذ موقف من سوريا أو تحميلها أي مسؤوليات حيال ما آلت اليه الأوضاع في لبنان خصوصاً منذ قرار دمشق بغرض التمديد للرئيس اميل لحود. كان يفترض في القمة، وذلك من أجل حماية سورية ولبنان تسمية الأشياء بأسمائها بدءاً بالاعلان صراحة وفي البيان الختامي ان احداث لبنان يمكن ان تكون لها انعكاسات سلبية على الصعيد الاقليمي وان من مصلحة العرب لملمة الأوضاع اللبنانية في أسرع ما يمكن بما يتلاءم مع رغبات الشعب اللبناني الذي نزل الى الشارع بمئات الآلاف ليقول كلمته ويعلن انه يرفض التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري واستمرار الأوضاع في البلد على ما هي عليه وكأن شيئاً لم يحدث.
كان على المشاركين في القمة لو أرادوا بالفعل الارتقاء الى مستوى الحدث ـ الزلزال الاعلان بالفم الملآن ان الجريمة التي ارتكبت جريمة في حق كل الدول العربية وانهم معنيون بالاستقرار بلبنان وبمساعدة سورية على سحب قواتها منه مرفوعة الرأس. ولكن مع تأكيد ان افتعال المشاكل لإظهار ان القوات السورية والأجهزة التابعة لها، أو على الأصح الأجهزة والقوات التابعة لها، لا معنى له، بل سيرتد على سوريا ولبنان معاً.
فات العرب بعض الصراحة في البيان الصادر عن قمتهم، كانت هذه الصراحة، خصوصاً في ما يتعلق بلبنان والاصرار على كشف الحقيقة بواسطة لجنة تحقيق دولية بمثابة دليل على أن في استطاعتهم الارتقاءإلى مستوى مختلف، مستوى يؤهلم للقول انهم يفهمون شيئاً عن عالم ما بعد 11 أيلول 2001 والاحتلال الأميركي للعراق، مستوى كان رفيق الحريري من بين الزعماء القلائل في المنطقة القادرين على الارتقاء اليه لاستشراف المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00