8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العراق الى أين.. المنطقة الى أين؟

بعد سنتين على بدء الحرب الأميركية، على العراق، لا تزال الحرب مستمرة ولا تزال وحدة البلد مهددة. وإذا كان هناك من رأي محايد يمكن الاستعانة به لتقويم القرار الأميركي بالدخول في هذه الحرب، فإن بين أفضل من يمكن الاستعانة بهم شخص اسمه جورج كينان.
توفي جورج كينان في 17 آذار الجاري عن عمر يناهز مئة عام وعام واحد. وأجمعت وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية على اعتباره أبرز ديبلوماسي عرفته الولايات المتحدة في القرن العشرين. يكفي أنه وضع بصفة كونه مدير التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية سياسة احتواء الاتحاد السوفياتي التي أدت لاحقاً الى تفكيك ما كان يعرف بالقوة العظمى الثانية في العالم. حصل ذلك في العام 1947.
أعلن كينان، الذي وصفته إحدى الصحف الأميركية بأنه كان الشخص الأكثر تأثيراً على السياسة الخارجية الأميركية في القرن العشرين معارضته للحرب على العراق. وقال في تصريحات أدلى بها قبيل بدء الحرب "إن للحروب ديناميكية خاصة بها" ذلك أنه عندما تبدأ الحروب "لا نعود نعرف أين ستتوقف". وبعد سنتين على بدء الحرب وإسقاط النظام العراقي، يبدو كلام كينان في مكانه. هل هناك من يستطيع التكهن بالطريقة التي يمكن أن تتوقف بها حرب العراق أو بالمكان الذي ستتوقف فيه، أي هل هناك من يستطيع القول إن الحرب ستتوقف عند حدود العراق؟
دعا كينان الى سياسة خارجية "واقعية" تقوم على الدفاع عن المصالح بدل السعي الى تغيير العالم. ومن هذا المنطلق كان القوة التي دفعت في اتجاه قرار مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية كي تتمكن أوروبا الغربية من الصمود في وجه السياسة التوسعية للاتحاد السوفياتي. وقضى المشروع الذي حمل اسم وزير الخارجية الأميركي وقتذاك بتقديم مساعدات تقدّر بمليارات الدولارات لدول أوروبا الغربية التي بقيت خارج المظلة السوفياتية. وساعد ذلك في احتواء نفوذ موسكو وفي تقديم نموذج متقدم لما يمكن أن تكون عليه أوروبا حين تكون متحررة من الأنظمة الأوتوقراطية التابعة لما كان يسمى الاتحاد السوفياتي...
يفتقد الأميركيون هذه الأيام رجالاً من نوع جورج كينان، خصوصاً أن شعب الولايات المتحدة بدأ يشعر بكلفة الحرب من ناحيتي الخسائر البشرية والمادية. وفي آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست"، تبيّن أن نسبة 45 في المئة من الأميركيين ما زالت تؤيد الحرب حالياً في حين كانت هذه النسبة تفوق 70 في المئة في آذار من العام 2003.
لم يأخذ الرئيس جورج بوش الإبن بنصيحة جورج كينان وفضل الذهاب الى الحرب. والآن، بعد سنتين من بدء العمليات العسكرية في 20 آذار من العام 2003 يمكن القول أن ليس العراق وحده الذي يقف عند مفترق طرق، بل إن الشرق الأوسط كله دخل في مرحلة مخاض ليس معروفاً كيف ستنتهي.
في استطاعة الرئيس الأميركي التذرّع بالانتخابات العراقية التي جرت في 30 كانون الثاني الماضي للدفاع عن مشروع الحرب والقول إن تباشير الحرية أطلت. هذا الكلام قد يكون صحيحاً لو لم ينطبق عليه المثل الفرنسي القائل إن "سنونو واحدة ليست كافية للقول إن الربيع بدأ فعلاً".
الحقيقة أن هذه الانتخابات قسمت العراق بطريقة لا سابق لها بين الشيعة والأكراد فيما حصلت عملية تهميش بالكامل للسنة العرب الذين باتوا معزولين عن الحياة السياسية وكأنهم مسؤولون مباشرة عن جرائم نظام صدام حسين أو كأن كلاً منهم بمثابة "ميني ـ صدام". كيف يمكن الحديث عن ديموقراطية وحرية عندما تسفر الانتخابات عن استبدال ظلم بظلم من نوع آخر وطغيان بطغيان آخر؟ هل يريد الرئيس الأميركي أمثلة عما يحصل في العراق؟ هل يدري ما الذي يحصل في جامعة البصرة وفي الجامعات الأخرى حيث تصرفات شبيهة بتصرفات نظام "طالبان" تجاه الرجال والنساء. هل يعرف أن أصحاب محال لتصفيف الشعر أو الحلاقة قُتلوا في بغداد لأنهم قصوا شعور زبائنهم بطريقة عصرية؟ هل يدرك مدى النفوذ الإيراني في العراق؟ إنه نفوذ ذهب الى حد تنظيم تظاهرات معادية للأردن بحجة أنه يدعم الإرهابيين. نعم الأردن الذي نسف إرهابيون سفارته في بغداد، صار في نظر بعض العراقيين الذين تأتيهم الأوامر من طهران يشجع على عمليات إرهابية في العراق... أليس ذلك أمراً يثير أشد الاستغراب؟
بعد سنتين على بدء العمليات العسكرية وقبل أيام من الاحتفال بسقوط النظام يوم 9 نيسان 2003، ما زال السؤال المطروح ذاته: العراق الى أين... ولكن مع فارق أنه لم يعد يصح طرح السؤال إلا إذا أرفق بسؤال آخر هو الآتي: المنطقة الى أين؟ الشيء الوحيد الأكيد وسط كل ما يحصل أن لا مفر من الترحم مع الأميركيين على ساسة وديبلوماسيين من قماشة جورج كينان وطينته.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00