سيتبيّن خلال الأسابيع القليلة المقبلة ما إذا كانت الادارة الأميركية جدية في مجال تحقيق تسوية بين اسرائيل والجانب الفلسطيني. وكلمة تسوية لا تعني بالضرورة حلاً عادلاً يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية في أرضه بل ما يمكن اعتباره حلاً معقولاً نسبياً. إنه حل يؤمن لهذا الشعب حداً أدنى من حقوقه على رأسها تمكينه من العيش بسلام مثله مثل بقية شعوب المنطقة في إطار دولة مستقلة، حل يؤمن حصول سكان المخيمات في لبنان وسوريا والأردن على جواز سفر يضمن لهم على الأقل حق العودة إلى الدولة الفلسطينية بدل بقاء هؤلاء أسرى المساهمات السياسية العربية ـ العربية والمتاجرة بقضيتهم تحت شعار رفض التوطين هذا الشعار الذي يصلح لكل شيء باستثناء خدمة الفلسطينيين اللاجئين إلى المخيمات عبر إشعارهم أولاً بأنهم بشر يمتلكون حرية التنقل والعمل والعيش الكريم.
قبل أيام التقت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم في واشنطن. وأبلغت رايس شالوم أن على اسرائيل إزالة كل المستعمرات "غير القانونية" كما لو أن هناك مستعمرات اسرائيلية قانونية، وتنفيذ كل ما التزمت به في قمة شرم الشيخ التي انعقدت في 8 شباط الماضي. كان رد الوزير الاسرائيلي أن اسرائيل أزالت حتى الآن تسعين مستعمرة "غير قانونية" وهي مستعدة لتنفيذ كل الالتزامات التي تعهدت بها في شرم الشيخ. إنه كلام غير صحيح لا يستهدف سوى كسب الوقت والمراهنة على أن أحداثاً ستجري في الأسابيع القليلة تؤدي إلى صرف الادارة الأميركية النظر عن إزالة المستعمرات أكانت قانونية وغير قانونية. للأسف الشديد هناك مستعمرات "قانونية" من وجهة نظر أميركا واسرائيل بعدما تعهد الرئيس بوش الابن لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في نيسان من العام الماضي بأن لا عودة إلى حدود 4 حزيران 1967 في الضفة الغربية وأن بعض المستعمرات الاسرائيلية التي سميت تجمعات سكانية ستبقى حيث هي. ومعنى ذلك بكل بساطة تكريس الاحتلال الاسرائيلي لجزء من الضفة الغربية. لكن حكومة شارون تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. أي إلى أبعد من أن يقبل به الجانب الأميركي.
ولكن على ماذا تراهن اسرائيل؟ تراهن على أن الجانب الفلسطيني لن يتمكن من إعادة توحيد صفوفه والوقوف خلف سياسة واقعية اعتمدتها السلطة الوطنية الفلسطينية خصوصاً منذ انتخاب السيد محمود عباس رئيساً لها. قد يكون هذا الرهان في محله أو قد لا يكون، لكن على السلطة الوطنية أن تحزم أمرها وألا تسبح بأي فلتان على الصعيد الداخلي أكان ذلك داخل "فتح" نفسها أو في طريقة تصرّف التنظيمات المتطرفة من نوع "حماس" و"الجهاد الاسلامي".
هناك إيجابيات يفترض في الجانب الفلسطيني استغلالها، من بينها أن الجو العربي مساعد على لملمة الوضع الداخلي فلسطينياً، وأن دولاً مثل سورية كانت تعترض في الماضي على السلطة الوطنية وتعرقل كل تحرك لها، باتت الآن مستعدة لدعمها نظراً إلى أن على دمشق تكريس كل جهودها للوضع اللبناني وإبقاء السلطة في هذا البلاد أداة طيّعة في يدها. إضافة إلى ذلك يبدو أن مصر مصممة على أن تكون هناك هدنة فلسطينية ـ اسرائيلية. وما دعوة الرئيس حسني مبارك إلى انعقاد قمة شرم الشيخ التي شارك فيها الملك عبدالله الثاني وشارون سوى دليل على مدى جدية القاهرة في لعب دور إيجابي على الصعيد الفلسطيني. وفي هذا السياق تبدو مصر التي استقبلت وزير الدفاع الاسرائيلي شاوول موفاز الخميس الماضي على استعداد للذهاب بعيداً لمنع أي خروج لـ"حماس" عن الخط الوطني الفلسطيني عبر متابعة الاتصالات معها من جهة ودفعها في اتجاه الهدنة من جهة أخرى. وبكلام أوضح، ثمة جهود عربية كي تكون "حماس" بعيدة عن التأثيرات التي تمارسها عليها أطراف إقليمية جعلت منها في الماضي مجرّد أداة لخدمة هذه الأطراف المتضررة من أي عملية سلمية في المنطقة يمكن ألا تعود بالفائدة على الشعب الفلسطيني.
هناك عاملان آخران يمكن أن يستفيد منهما الجانب الفلسطيني هما الجهود الأردنية لدعم السلطة الوطنية، وهي جهود كان أفضل تعبير عنها تدريب عناصر من لواء بدر التابع لجيش التحرير الفلسطيني لإرسالها إلى الضفة الغربية، دعماً للسلطة الوطنية. أما العامل الآخر فهو رد فعل الجمهور الاسرائيلي الذي اتسم بنوع من الاعتدال بعد العملية الانتحارية الأخيرة التي وقعت في تل أبيب في 25 شباط الماضي. رفض هذا الجمهور الذهاب بعيداً في دعم شارون والعناصر المتطرفة التي أرادت استخدام العملية لممارسة مزيد من الضغوط على الجانب الفلسطيني على غرار ما كان يحصل في الماضي.
في ظل هذه المعطيات، يظل السؤال الأساسي ما الذي ستفعله واشنطن التي يظل دورها بمثابة العنصر الفاعل والحاسم في أي محاولة لنقل الوضع بين الاسرائيليين والفلسطينيين إلى مرحلة المفاوضات الجدية في شأن تحقيق تسوية. في كل الأحوال، لن يكون ممكناً الحديث عن دور أميركي جدي إلا إذا كان هناك موقف واضح من المستعمرات. حتى نرى بأم العين أن مستعمرة أزيلت في الضفة وليس في غزة، يمكن الحديث عن تسوية ممكنة وذلك على غرار ما حصل بين مصر واسرائيل في سيناء أواخر السبعينات. في غياب ذلك، ستراوح الأمور مكانها ويكون العهد الثاني لبوش الابن مثل العهد الأول وحتى أسوأ منه...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.