8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رفيق الحريري يُسقط خط الدفاع الأول للقتلة

بين العِبر التي يمكن استخلاصها من جلسة مجلس النواب اللبناني التي انعقدت الاثنين الماضي ان روح رفيق الحريري بكل ما تعنيه من وفاء لبيروت ولبنان والعرب الحقيقيين ستظل ترفرف في سماء البلد الصغير الذي اسمه لبنان. لقد فاجأ رد الفعل الشعبي على استشهاد رفيق الحريري الذين اغتالوه فظهروا على حقيقتهم أقزاماً غير قادرين على مقاومة انتفاضة الشعب اللبناني سوى بمزيد من التهديد والوعيد في وقت لم يعد ينفع لا التهديد ولا الوعيد ما دام كل لبناني صادق مع وطنه وانتمائه العربي يعتبر نفسه مشروع شهيد... صار كل لبناني رفيق الحريري، الرجل الذي يسقط حكومات من حيث هو الآن.
على الصعيد الانساني، تظل جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ومجموعة من المواطنين الأبرياء وصمة عار على جبين الذين ارتكبوها أو مهدوا لها أكانوا في السلطة أو في الدوائر الخارجية الداعمة لها. أما على الصعيد السياسي فإنها تعتبر خطأ جسيماً لا يمكن مقارنته الا بالخطأ الذي ارتكبه النظام العراقي المخلوع عندما ارتكب مغامرة مجنونة اسمها احتلال الكويت.
سيظل يوم الاثنين 28 شباط 2005 يوماً تاريخياً محفوراً في ذاكرة كل لبناني، ذلك انه في ذكرى مرور اسبوعين على استشهاد رفيق الحريري، تبين بكل وضوح ان دماء الرجل الكبير لن تذهب هدراً. والدليل إلى ذلك واضح كلّ الوضوح. انه يتمثل في قدرة الشعب اللبناني على متابعة تحركه من أجل تأكيد ان الجريمة لن تمر وان الذين ارتكبوها أياً تكن المواقع التي يحتلونها سيمثلون عاجلاً أم آجلاً أمام القضاء. وكانت البداية اضطرار عمر كرامي الى الاستقالة.
عملت السلطة ومن يقف خلفها منذ اليوم الأول على اخفاء معالم الجريمة. وكانت تتذرع في البداية بالسيادة الوطنية كي تمنع حصول تحقيق دولي في الذي حصل. ولكن في كل يوم يمر يتبين ان ليس في استطاعة السلطة ومن يقف خلفها مقاومة الشعب اللبناني المطالب بمعرفة الحقيقة يدعمه المجتمع الدولي كله.
توحد هذا الشعب خلف شعارات بسيطة وواضحة، في ان مثل الحرية والسيادة والديموقراطية ومعرفة الحقيقة والالتفاف حول الجيش اللبناني بصفة كونه مؤسسة وطنية مؤهلة للمحافظة على السيادة الحقيقية. استطاع الشعب اللبناني ان ينزل الى ضريح رفيق الحريري ورفاقه وساحة الشهداء على الرغم من كل الاجراءات المتخذة وعلى الرغم من التهديد بتظاهرة مضادة تبين انها وهم في رأس بعض العملاء البائسين الذين لم يدركوا معنى نزول عشرات آلاف اللبنانيين بل مئات الآلاف الى الشارع من أجل الدفاع عن مشروع رفيق الحريري، أي عن الحلم الذي تحول حقيقة.
واذا كان من كلمة حق لا بد من قولها، فإن هذه الكلمة تتلخص بأن الرئيس عمر كرامي أدرك ولو متأخراً معنى اغتيال رفيق الحريري فقدم استقالة حكومته بعدما فشل فشلاً ذريعاً في توفير اي تغطية من أي نوع لمرتكبي الجريمة الذين ظلوا يعتبرون كرامي وحكومته خط الدفاع الأول عنهم... لقد أسقط رفيق الحريري من قبره خط الدفاع الأول الذي اعتمده الذين قتلوه!
ما حصل يوم الاثنين 28 شباط 2005 ليس حدثاً لبنانياً. انه أيضاً حدث عربي لا سابق له، ذلك انها المرة الأولى في تاريخ المنطقة التي تسقط فيها حكومة جراء تظاهرة سلمية لم تطالب بأكثر من السيادة والاستقلال والحرية ومعرفة الحقيقة.
يستطيع رفيق الحريري ان ينام مطمئناً، ذلك ان الشعب كله تحول رفيق الحريري. والشعب اللبناني تحول نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه شعوب المنطقة، اي ان تظهر هذه الشعوب انها قادرة على ان تنتصر على التهديد والقمع وعلى كل الأجهزة الأمنية التي سلبته أبسط حقوقه الانسانية. انها الأجهزة التي اغتالت رفيق الحريري، انها الأجهزة التي تعتقد ان في استطاعتها القضاء على حلم استعادة الشعب اللبناني وحدته انطلاقاً من مشروع رفيق الحريري الذي وظف في الانسان واستثمر فيه كما وظف في بيروت بإعادة بناء وسطها التجاري.
الأمل الآن في ان تتدحرج رؤوس أخرى، غير رؤوس أعضاء الحكومة اللبنانية التي لم تكن تضم سوى أدوات ودمى. الأمل في ان يصل التغيير الى أعلى مستوى وأن يبلغ السياسة السورية في لبنان وذلك من منطلق ان التذاكي لم تعد له فائدة تذكر. فإذا كان المطلوب حالياً تنفيذ القرار 1559 استناداً الى اتفاق الطائف أو بحجة تنفيذ اتفاق الطائف، فليحصل ذلك سريعاً من دون لف أو دوران نظراً الى ان في ذلك مصلحة الشعبين السوري واللبناني ومخرجاً لهما من الوضع الراهن. والأمل الأخير في الوصول الى يوم نرى فيه الأوغاد الذين أعماهم الحسد، أولئك الذين اغتالوا رفيق الحريري في قفص الاتهام تماماً كما رأينا صدام حسين الذي دفع بعد ثلاثة عشر عاماً ثمن جريمة احتلال الكويت وجرائم أخرى ارتكبها في حق الشعب العراقي منذ اليوم الأول لتوليه السلطة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00