اذا كانت "حماس" تريد أن تثبت انها لاعب اساسي فلسطينياً فإن أفضل ما تستطيع عمله هو تفادي الدخول في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطينية. ذلك ان المواجهة مع السلطة لا تخدم الجانب الفلسطيني في شيء. على العكس من ذلك انها تندرج في اظهار الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في مظهر غير القادر على التزام تعهداته، وعلى رأس هذه التعهدات توحيد البندقية الفلسطينية أي الانتهاء من "فوضى السلاح".
أخيراً لا يمكن تجاهل ان الجانب الاسرائيلي استفز الطرف الفلسطيني وانه كان البادئ في خرق الهدنة، هذا اذا كان في الامكان الحديث عن هدنة. ولكن لا بد من الاعتراف ايضاً بأن الرد بصواريخ "القسام" وبقذائف "هاون" على الاسرائيليين لا يمكن ان يعود بأي فائدة على الفلسطينيين اذا لم يكن ذلك بالتنسيق مع السلطة الوطنية التي تعمل حالياً على اعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
ثمة حاجة الى دعم المشروع السياسي الفلسطيني وهذا المشروع ليس موجوداً في الوقت الراهن الا في ذهن القيادة الفلسطينية وهي باشرت تنفيذه انطلاقاً من معطيات محددة وواضحة أفرزتها مرحلة ما بعد غياب ياسر عرفات. قبل كل شيء حصلت انتخابات فلسطينية وأيد ثلثا الذين شاركوا فيها "أبو مازن" بكل ما يمثله. وتلا انتخاب "أبو مازن" رئيساً، حوار داخلي فلسطيني شاركت مصر في جانب منه وذلك بهدف واضح هو التوصل الى نوع من الهدنة. وانعقدت بعد ذلك قمة شرم الشيخ التي مهدت لمعاودة المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية برعاية مصرية ـ أردنية كان أفضل تعبير عنها دعوة الرئيس حسني مبارك لانعقاد القمة ومشاركة الملك عبدالله الثاني فيها.
ليس صحيحاً ان قمة شرم الشيخ كانت ذات طابع أمني فقط. انها قمة ذات طابع سياسي بامتياز نظراً الى ان البحث تناول الاعداد لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية بغية تنفيذ "خريطة الطريق" من جهة كما أدت الى تجاوز مرحلة السلام المصري ـ الاسرائيلي البارد من جهة أخرى. هذه القمة، اذا كان مقدراً لها ان تصب في خدمة القضية الفلسطينية وليس في خدمة ارييل شارون، لا بد ان تقود في نهاية المطاف الى امتحان للجانب الاسرائيلي. وهذا الامتحان يعني البحث جدياً في كيفية التغلب على مشكلة "الجدار الأمني" الذي يستهدف شارون من خلاله الى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية.
ان المشروع السياسي الفلسطيني واضح كل الوضوح. ومن أهدافه المرحلية ما أعلنه "أبو مازن" عن ضرورة وقف الانتفاضة المسلحة وتوحيد البندقية الفلسطينية واجراء اصلاحات داخلية واعادة العلاقات الفلسطينية ـ الأميركية الى ما كانت عليه قبل قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 وذلك تمهيداً للدخول في مفاوضات جدية مع اسرائيل.
من حق "حماس" وغير "حماس" بما في ذلك بعض المنظمات اليسارية التي تحاول الظهور في مظهر من لا يزال يمثل شيئاً ولو عبر المزايدات، الاعتراض على هذا المشروع السياسي. لكن هذا الاعتراض لا يكون الا بالسياسة. أما اللجوء الى الصواريخ والقذائف المدفعية فهو خدمة مجانية لشارون وحتى لأطراف اقليمية لا هم لها سوى استثمار الحال البائسة للشعب الفلسطيني في محاولات تستهدف التأكيد للولايات المتحدة انها لاعب على صعيد المنطقة كلها.
في أحد اللقاءات بين "أبو مازن" وقيادي من "حماس"، سأل الأخير الرئيس الفلسطيني: هل تصدق شارون؟ فأجاب: ليس بالضرورة ولكن من تريدني أن أفاوض؟
المؤسف ان ارييل شارون هو رئيس للوزراء في اسرائيل وان لا مفر من التعاطي معه اذا كان مطلوباً التفاوض لاستعادة الأرض. أما القول ان في الامكان استعادة الأرض بالقوة، فهو دخول في اللعبة المفضلة لرئيس الوزراء الاسرائيلي اي لعبة السلاح. والدليل على ذلك انه في رفح وحدها دمرت اسرائيل منذ أيلول العام 2000، 1728 مبنى وشردت نحو 17 ألف فلسطيني. وفي حال تُرك شارون يمارس لعبته سيشرد مزيداً من الفلسطينيين وسيقتلع مزيداً من الأشجار ويدمر مزيداً من المباني في غزة والضفة الغربية.
هدف شارون في النهاية هو القول للعالم واقناع اميركا بأن "أبو مازن" ليس أفضل من ياسر عرفات، وانه كان على حق عندما ادعى بأن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التوصل الى سلام معه. فهل هذا ما تريده "حماس" عندما تسعى الى اظهار السلطة الوطنية الفلسطينية في مظهر العاجز عن الدخول في مفاوضات جادة مع اسرائيل وبأن "أبو مازن" ربما يمتلك مشروعاً سياسياً لكنه ليس قادراً على تنفيذه؟ ان الصواريخ والقذائف التي أطلقت بعد قمة شرم الشيخ لم تطلقها "حماس" على اسرائيل بل على "أبو مازن" واذا لم تغيّر من تصرفاتها يمكن القول إن الفلسطينيين في وضع لا يحسدون عليه!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.