8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حلم بوش الابن بين أن يتحقق وأن يصبح كابوساً

لا يمكن الاستخفاف بخطاب الرئيس بوش الابن عن "حال الاتحاد" وهو الخطاب الذي يلقيه الرئيس الأميركي سنوياً أمام الكونغرس وهدفه رسم الخطوط العريضة لسياسة الادارة إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي.
كان الرئيس بوش الابن خلال الخطاب تحت تأثير النشوة التي خلفتها الانتخابات العراقية. وهي نشوة ليس بعدها نشوة نظراً إلى أن نجاح الانتخابات، من وجهة النظر الأميركية، بات يبرر توجهاته السياسية خصوصاً على صعيد ما يسميه نشر الحرية والديموقراطية في الشرق الأوسط.
للمرة الثانية في أقل من شهر، أكد بوش الابن أن لا بديل من الديموقراطية والحرية للشرق الأوسط وأن نشرها في المنطقة جزء لا يتجزأ من الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الارهاب. وإذا كان هناك مَنْ لا يزال يشكك بعد الخطاب الأول الذي ألقاه في مناسبة بدء ولايته الرئاسية الثانية بأنه مصمم على نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، جاء الخطاب الثاني عن "حال الاتحاد" لقطع الطريق على كل تشكيك في هذا المجال.
ثمة نقاط كثيرة ملفتة في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي الخميس الماضي بتوقيت الشرق الأوسط أمام الكونغرس. بين أبرز النقاط اللهجة الهجومية في التعاطي مع كل من سوريا وإيران وكأنه يريد القول إن نجاح الانتخابات في العراق يجعل الولايات المتحدة قادرة على الذهاب بعيداً في المواجهة مع هذين البلدين، وإن المواجهة يمكن أن تتجاوز الاجراءات التي اتبعتها القوة العظمى الوحيدة في العالم معهما حتى الآن.
وهناك نقطة أخرى لا بد من التوقف عندها مرتبطة بإظهار الرضا عن الخط السياسي الذي تنتهجه السلطة الوطنية الفلسطينية منذ تولي السيد محمود عباس ( أبو مازن) الرئاسة عن طريق الانتخاب. فالانتخابات الفلسطينية بالنسبة إلى الرئيس الأميركي نقطة مضيئة أخرى في الشرق الأوسط وهي تثبت على غرار ما أثبتته الانتخابات العراقية أن في الإمكان إقامة أنظمة ديموقراطية في المنطقة وان إدارته كانت على حق في اعتماد هذا الرهان.
ما قد يكون أهم من ذلك كله، أن إدارة بوش الابن قررت للمرة الأولى لعب دور نشط على صعيد العملية السلمية في الشرق الأوسط. ولن تكتفي بتسهيل عودة المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين بل ستدفع في هذا الاتجاه. وما قمة شرم الشيخ سوى دليل على أنها تريد توجيه رسالة إلى كل مَنْ يعنيه الأمر بأن لديها مصلحة في الاستقرار في الشرق الأوسط وفي قيام دولة فلسطينية. أكثر من ذلك، لن تتساهل الادارة الأميركية مع كل مَنْ يريد عرقلة التسوية عن طريق عملية من هنا أو من هناك كما كان يحصل في الماضي. والأكيد أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي ستزور اسرائيل والأراضي الفلسطينية ستأتي لتؤكد إلى أي حد تبدو الادارة مستعدة للذهاب في مساعيها للتوصل إلى اتفاق فلسطيني ـ اسرائيلي. وثمة من يعتقد أنه في حال حصول تغيير في السياسة السورية تجاه لبنان والعراق وما تسميه واشنطن "منظمات ارهابية"، سيكون هناك استعداد أميركي لبذل جهود تستهدف تحريك المسار السوري ـ الاسرائيلي مجدداً. ويتردد أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس بشار الأسد لعمان ومحادثاته مع الملك عبدالله الثاني ليست بعيدة عن هذه الأجواء.
ولكن أبعد من الخطاب وما تضمنه عن ضرورة الاصلاحات السياسية، لا يمكن مقارنة الخطابين الأخيرين لبوش الابن سوى بالخطابات التي كان يلقيها رونالد ريغان الذي يبدو أنه المثل الأعلى للرئيس الأميركي الحالي. فقد كان ريغان يلقي خطابات يهاجم فيها ما كان يسميه "امبراطورية الشر" أي الاتحاد السوفياتي. في البداية كان الاعتقاد السائد أن الرجل يحلم إلى أن تمكن من كسب الحرب الباردة وتفكيك الاتحاد السوفياتي والمنظومة التابعة له. ودخل ريغان التاريخ من بوابة الانتصار في الحرب الباردة وتحويل حلم القضاء على "امبراطورية الشر" إلى حقيقة. أما بوش فهو يحلم بتحويل دول الشرق الأوسط إلى دول ديموقراطية على غرار ما فعله ريغان في أوروبا الشرقية.
يبقى أن ريغان الرئيس الجمهوري الذي أمضى ثماني سنوات في البيت الأبيض استطاع تحقيق حلمه بعدما ركز على أن انهيار الاتحاد السوفياتي سيحرر دول أوروبا الشرقية من الهيمنة التي كان يمارسها عليها، في حين أن رهان بوش الابن هو على تعميم التجربة العراقية على دول المنطقة مع العمل في الوقت ذاته على تحقيق تسوية في فلسطين. انه رهان في غاية الصعوبة لا لشيء سوى لأن كل ما حصل في العراق حتى الآن ساهم في إطلاق الغرائز من عقالها بما يصب في شرذمة دول المنطقة وليس إصلاح الأنظمة فيها، في حين أنه يمكن الاتفاق مع قول الرئيس الأميركي أن التسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين "في متناول اليد". إن المسألة مسألة وقت فقط، لذلك لا حاجة سوى إلى أشهر قليلة لمعرفة هل يمكن البناء على ما حصل في العراق أم أن حلم بوش الابن سيظل حلماً حتى لا نقول أنه سيتحوّل كابوساً، أقله لأهل الشرق الأوسط.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00