8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الانتخابات والمعالجة الجدية للشرخ العراقي

كان طبيعياً أن يعتبر الرئيس بوش الابن الانتخابات العراقية انتصاراً شخصياً له وان يتحدث بكل فخر عن يوم 30 كانون الثاني 2005 في العراق بصفة كونه "حدثاً تاريخياً".
انه حدث تاريخي بالفعل لأن الانتخابات أظهرت ان الشعب العراقي انتصر على الخوف والإرهاب وتوجه إلى صناديق الاقتراع على الرغم من كل المحاولات التي بذلتها المنظمات المتطرفة من أجل منعه من ذلك. أراد الشعب العراقي ان يظهر بكل بساطة انه يتوق بالفعل إلى الحرية والديموقراطية وحياة كريمة بعد كل ما عاناه في العقود الأربعة الأخيرة اثر الانقلاب العسكري الذي أسقط الحكم الملكي في ذلك اليوم الأسود من صيف العام 1958. أراد الشعب العراقي تأكيد انه شعب يريد الحياة ويسعى إلى الحياة وأنه يكره الانتحار والانتحاريين ومفاتيح الجنة التي توزع على الإرهابيين باسم الأديان والمذاهب...
وما يمكن قوله الآن بعد خوض العراقيين تجربة الانتخابات بنجاح كيف ستوظف الانتخابات وهل يمكن ان تصب في مصلحة الشعب العراقي؟.
لا بد في البداية من ملاحظتين تتعلق الأولى بالإدارة الأميركية والأخرى بالذين قاطعوا الانتخابات. بالنسبة إلى الإدارة الأميركية من حقها ان تقيم كل هذه الاحتفالات من منطلق ان نجاح الانتخابات الأميركية نجاح لها، ذلك انها المرة الأولى منذ فترة طويلة التي يسمع فيها بوش الابن اخباراً طيبة من العراق. وما قد يكون أهم من ذلك بالنسبة إليه شخصاً انه صار في إمكانه ايجاد مبرر لحرب العراق وللخسائر الكبيرة التي تتكبدها بلاده يومياً على الصعيدين المالي والبشري. أخيراً، وبعد فشل عملية البحث عن أسلحة الدمار الشامل بات في استطاعة الرئيس الأميركي القول ان بلاده ذهبت إلى العراق من أجل الحرية والديموقراطية ولتحرير الشعب العراقي من السجن الكبير الذي كان قابعاً فيه. أكثر من ذلك، يستطيع القول ان الإدارة كانت على حق عندما اعتبرت ان الشعب العراقي في معظمه ينظر إلى الأميركيين كمحررين، ولذلك لم تطرح قضية الاحتلال في يوم الانتخابات بحدة، لكن ما طرح كان الرغبة في إظهار ان شيئاً ما تغير في عمق المواطن العراقي. وما تغير عملياً تحرره من الخوف وتحديداً الإرهابيين من أجل ان يتمكن من الادلاء بصوته والاختيار بين مجموعة من المرشحين بدل ان يكون خياره الوحيد بين القول نعم لصدام حسين... والذهاب إلى السجن في أفضل الأحوال!.
إضافة إلى ذلك، ستوفر الانتخابات فرصة كي تتوجه الإدارة الأميركية إلى مواطنيها وتؤكد لهم أن العراق ليس فيتنام، وأن ثمة تفكيراً في خطط لسحب الجيش الأميركي من هذا البلد. اما الخطوة الأولى في هذا الاتجاه فإنها ستتمثل في الانسحاب من المدن الكبيرة وتسليم الأمن إلى العراقيين أنفسهم. انه كلام جميل بدأ بعض المسؤولين الأميركيين يُردده لكن مشكلته الوحيدة تكمن في انه يميل إلى التفاؤل أكثر من أي شيء آخر.
وستظهر الأيام والأسابيع المقبلة ما إذا كان هذا التفاؤل في محله وما إذا كانت الانتخابات ستساهم في ايجاد مخرج للولايات المتحدة من العراق.
اما بالنسبة إلى الذين قاطعوا الانتخابات، يفترض في كل من يتابع الشأن العراقي ملاحظة ان هناك شرخاً كبيراً في المجتمع وأن الذين قاطعوا ومعظمهم من السنة العرب ينتمون إلى فئتين. تضم الأولى أولئك الذين يعتبرون ان انقلاباً حصل في البلد لمصلحة ما يسمى "الأكثرية الشيعية" وأن نتيجة هذا الانقلاب الذي بدأ بالاجتياح الأميركي للبلد واستكمل بقرار حل الجيش العراقي، تحويل السني العربي إلى مواطن من الدرجة الثانية. وتضم الفئة الأخرى العناصر المتطرفة التي تؤمن باستخدام الدين لتبرير الإرهاب علماً بأن الدين براء من كل ذلك.
هذه العناصر باتت تجد في العراق مأوى آمناً لها بعد إخراجها من أفغانستان وهي تعمل على الاستفادة من كل الهفوات الأميركية وعلى التحريض الطائفي والمذهبي بكل أشكاله من أجل توسيع قاعدتها.
أظهر الشعب العراقي شجاعة كبيرة عندما توجه إلى صناديق الاقتراع، وكي يكون اقتراعه للعراق فعلاً، لا مفر من مواجهة تحدي ما بعد الانتخابات. هذا التحدي يتمثل في عزل السنة العرب عن التطرف والمتطرفين. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه تحتم الاعتراف بالشرخ الذي أظهرته الانتخابات بكل وضوح. انه شرخ يفترض ألا تخفيه بيانات "الانتصار" الأميركية من دون معالجة جدية لهذا الشرخ، لن تكون الانتخابات سوى ورقة تين يستخدمها الأميركيون لتغطية المأزق الذين هم فيه تغطية موقتة... اما السنة العرب فسيتجهون أكثر فأكثر نحو التطرف من منطلق ان الانتخابات يمكن ان تتحول انتصاراً إيرانياً على العراق لا أكثر ولا أقل!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00