8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عن بوش الإبن المعجب بشارانسكي

ثمة جانب في شخصية الرئيس بوش الابن بدأ الأميركيون في اكتشافه، ومن المستحسن لنا نحن العرب أن نكتشفه معهم لعل ذلك يساعد في فهم السياسة الأميركية بطريقة أفضل. ومثل هذا الفهم يمكن أن يساهم في الحد من الأضرار التي يمكن أن تترتب على هذه السياسة، ما دام ليس في الامكان عمل شيء لجعلها تتخذ موقفاً معقولاً من قضايا المنطقة. وبعبارة أوضح، أن أفضل ما يمكن عمله في هذه المرحلة يتمثل في السعي في التحفيف من الأذى الذي يمكن أن تتسبب به في السياسة الأميركية.
يتكشف الجانب الجديد من شخصية الرئيس الأميركي من خلال حدثين. الأول الخطاب الذي افتتح به ولايته الثانية، وهو خطاب أقل ما يمكن أن يوصف انه خطاب تبشيري يظهر بوش الابن من خلاله انه زعيم من زعماء المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وليس مجرد رئيس يلعب دور الحكم بين الأجنحة المختلفة في ادارته. انه بكل بساطة زعيم الجناح المتطرف الذي قرر ابعاد كل من لا يؤمن بأفكاره خلال الولاية الرئاسية الثانية.ولذلك لم يعد كولن باول في وزارة الخارجية وأخذت مكانه كوندوليزا رايس المرأة الحديد التي تؤمن بكل كلمة يقولها بوش الابن الذي أخذ على عاتقه تغيير العالم بما يتفق وأفكاره خصوصاً مبدأ: من ليس معنا هو ضدنا.
لم يعد هناك متشددون ومعتدلون في الادارة بعدما حسم بوش الابن واضعاَ نفسه على رأس المتشددين، ولذلك لم يعد مهماً البحث في التفاصيل أو البحث عنها، كل ما في الأمر أن بوش الابن اصولي لا يمكن مقارنة مواقفه الا بمواقف المنظمات الدينية الأصولية المنتشرة في العالم والتي تشكو منها بلاده والتي لا تتردد في استخدام الارهاب من أجل تحقيق ما تعتبره أهدافاً مشروعة.
اما الحدث الآخر الذي يتكشف من خلاله ما بقي مستوراً من شخصية الرئيس الأميركي فهو قراءات الرجل. فقد اخذت الصحف الأميركية والأوربية تنشر أخيراً مقالات عن الكتب التي يقرأها الرجل. كانت المفاجأة الأولى انه يقرأ. وكان يقرأ مثلاً، عشية إعادة انتخابه استناداً إلى صحيفة "فايننشال تايمس" كتاباً لجون لويس غاديس اسمه "المفاجأة والأمن والتجربة الأميركية". و يبدو أن الرئيس الأميركي بات مهتماً بكل ما له علاقة بالهجوم الياباني على بيرل هاربر أواخر العام 1941، وذلك بعد أحداث 11 أيلول 2001.
لكن مفاجأة المفاجآت ماكشفته صحف أخرى بينها"لوموند" الفرنسية عن أن الكتاب الذي أثر في بوش الابن أكثر من غيره هو ذلك وضعه الوزير الاسرائيلي ناتان شارانسكي وعنوانه "الدعوة من أجل الديموقراطية، قدرة الحرية على قهر الاستبداد والارهاب". وشارانسكي كان منشقاً سوفياتياً عانى الكثير في السبعينات بعدما رفضت السلطات في موسكو في العام 1973 السماح له بالهجرة إلى اسرائيل. وما لبث ان صدر في حقه حكم بعد ادانته بتهمة التجسس ثم افرج عنه في العام 1986 وسمح له بالذهاب الى اسرائيل وذلك في اطار صفقة بين الغرب والاتحاد السوفياتي شملت تبادل جواسيس بين الجانبين في برلين.
يعتبر شارانسكي الذي أسس حزباً صغيراً ما لبث أن انضم إلى "ليكود" من ذوي الأفكار المتطرفة اذ انه بين أعضاء الحكومة الذين عارضوا الانسحاب من قطاع غزة و تفكيك المستعمرات الاسرائيلية في القطاع. وعلى الرغم من ذلك، استقبله بوش الابن في البيت الأبيض وأظهر له اعجابه بكتابه. وذهب الرئيس الأميركي إلى حد القول لأحد ضيوفه وهورئيس تحرير صحيفة "واشنطن تايمس" المحافظة: "اذا كنت تريد تكوين فكرة في شأن كيف أفكر على صعيد السياسة الخارجية أقرأ كتاب شارانسكي. انه قصير وجيد، ان الرجل شخصية ذات تاريخ نظامي. انه كتاب عظيم".
وهكذا، اذا كان مطلوباً معرفة كيف يفكر بوش الابن، لا بد من العودة الى شارانسكي الذي اعتبر أن الانسحاب الأحادي الجانب من غزة "تعبير عن عجز" اسرائيلي نظراً الى اننا "لم نستطع طوال عشر سنوات إيجاد محاورين نتفاوض معهم".
كان لتشارانسكي تأثير كبير على المحافظين الجدد الذين يلتقيهم باستمرار، في "واشنطن" ويمكن تلخيص موقفه من النزاع الشرق الأوسطي بالآتي: لا بد من استخدام القوة في مواجهةالارهاب ومن أجل تحويل السلطة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة ديموقراطية. وما ينطبق على السلطة الفلسطينية ينطبق ايضا على السلطات في العالم العربي.
اذا، كيف يمكن التعامل مع بوش الابن؟ هل من سبيل آخر غير السعي إلى تحييده ما دام ليس في الامكان التعاطي معه ومع ادارته كصاحبي موقف محايد؟ يظل العمل على تحييده أهون الشرور وذلك في انتظار ما ستؤدي اليه سياسته في العراق حيث سيتبين أن المفاجآت التي ستنتظر الأميركيين أكبر بكثير من تلك التي كانوا يتوقعونها. انها على الأقل أكبر بكثير من تلك التي رافقت اكتشافهم لما يقرأ رئيسهم المغرم بشارانسكي او باليوت كوهين الذي شرح في كتابه "القيادة العليا، الجنود ، رجال الدولة، القادة" كيف يتخذ العظماء قراراً بالحرب وكيف انهم لا يستمعون إلى رأي القادة العسكريين خلال سير المعارك!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00