8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

نحو صفقة أميركية ـ إيرانية أم مواجهة ؟

هل هي سنة رحيل ياسر عرفات؟ أم سنة تكريس عملية إعادة تشكيل المنطقة التي وعدت بها الإدارة الأميركية في ضوء احتلال العراق وتغيير طبيعة البلد؟ أم سنة تغيير الشروط التي كانت تتحكم بالتسوية السلمية، في الشرق الأوسط بعد وعد الرئيس جورج بوش الابن لرئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بأن في استطاعة إسرائيل عدم العودة الى حدود 1967 أقله في ما يخص الضفة الغربية؟ أم انها سنة رفض إسرائيل الدخول في مفاوضات مع سوريا في وقت باتت واشنطن ترى ان الأوان ليس أوان تسوية سورية ـ إسرائيلية؟ أم سنة الصفقة المصرية ـ الإسرائيلية التي شملت الإفراج عن المواطن الإسرائيلي عزام عزام المدان بتهمة التجسس في القاهرة في مقابل اطلاق ستة طلاب مصريين كانت تحتجزهم إسرائيل؟ هل هي مجرد صفقة أم أكثر من ذلك في ظل ما رافقها من تجدد الحديث عن دور مصري في قطاع غزة يستهدف المساعدة في ضمان الأمن في القطاع اثر الانسحاب الإسرائيلي المتوقع من جهة وتوقيع الاتفاق في شأن المناطق الصناعية، بين مصر وإسرائيل من جهة اخرى؟ يبدو ان الأمر أكثر من صفقة إذ يشير الى تحول استراتيجي في المنطقة، تحول لا يعكس حصول بداية تفاهم مصري ـ إسرائيلي على مسائل معينة فحسب، بل المزيد من التباعد بين مصر وإيران ايضاً. انه تباعد يعمق الهوة بين القوتين الإقليميتين في ظل إصرار إيران على لعب دور أساسي في عراق المستقبل. وعراق المستقبل بلد يتكون من جديد. والشيء الوحيد الذي يبدو أكيداً بالنسبة الى تلك الدولة التي تأسست في العشرينات والتي كانت احدى ركائز الخريطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط الذي تكون بعد النتائج التي أسفرت عنها الحرب العالمية الأولى، انها ستكون دولة مختلفة. ستكون دولة لا علاقة لها بالعراق الذي عرفناه.. عراق الدولة المركزية القوية التي تحكم من بغداد !.
كل هذه الأسئلة تعتبر نتاج السنة 2004. ويمكن أن تضاف اليها أسئلة اخرى كثيرة تتعلق بمستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ضوء القمة الأخيرة التي انعقدت في المنامة والدور الذي ستلعبه إيران على الصعيد الإقليمي وهل تسمح لها القوة العظمة الوحيدة في العالم بلعب هذا الدور؟ وربما كان السؤال الأهم هل تتمكن إيران من عقد صفقة مع الولايات المتحدة تحصل بموجبها على دور ما خصوصاً في العراق في مقابل تخليها عن فكرة الحصول على سلاح نووي؟ انه مجرد سؤال افتراضي، لكنه يبقى سؤالاً مهماً وحيويا في آن نظراً الى أن إيران سهلت في الأصل عملية الاحتلال الأميركي للعراق وهي الآن القوة الإقليمية الوحيدة المتفقة بنسبة مئة في المئة مع الإدارة الأميركية على ضرورة إجراء انتخابات في العراق أواخر شهر كانون الثاني يناير المقبل، بغض النظر عن موقف السنة العرب من الانتخابات واحتمال مقاطعة قسم كبير منهم لها.
ان السنة 2005 مرشحة لان تكون سنة كل الانتخابات، بدءاً بالانتخابات الرئاسية الفلسطينية الأسبوع المقبل وانتهاء بالانتخابات النيابية اللبنانية، مروراً بالانتخابات العراقية. كذلك تبدو السنة 2005 مرشحة لان تكون سنة مفاوضات جدية فلسطينية ـ إسرائيلية في ضوء الوعود التي أعطاها الرئيس بوش الابن بإعطاء الوقت الكافي لهذه القضية.
وما قد يساعد الإدارة الأميركية في مهمة من هذا النوع أن الشعب الفلسطيني أظهر منذ رحيل زعيمه التاريخي ورمز نضاله ياسر عرفات نضجاً كبيراً. وكان أفضل تعبير عن هذا النضج الانتخابات البلدية التي شهدتها الضفة الغربية قبل أيام ومشاركة "حماس" فيها كحزب يتطلع الى دور سياسي في المستقبل. وربما كانت مشاركة "حماس" في المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية دليلاً إلى بداية وعي لواقع سعى كثيرون الى جعلها تستوعبه وهو ان العمليات الانتحارية ليست سوى هدايا من السماء تسقط على ارييل شارون مثلها مثل صواريخ "القسام" التي ليس معروفاً هل تضحك أكثر مما تبكي، أم تبكي أكثر مما تُضحك؟
أن الوضع الفلسطيني لن يشغل الإدارة الأميركية عن العراق بغض النظر عما إذا كان في الإمكان بدء مفاوضات جادّة أم لا؟
والوضع في العراق لا يعني طرح أسئلة فحواها هل يستمر العنف أم يتوقف؟ ذلك ان العنف سيستمر خصوصاً ان الأميركيين لم يضعوا خططاً واضحة وواقعية لمرحلة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين مكتفين بالوعود التي اغدقها عليهم بعض المنافقين بأن الشعب العراقي سيستقبلهم بالورود وانه لن تكون حاجة الى جيش عراقي لضبط الأمن في مرحلة ما بعد صدام.
عشية اطلالة السنة 2005، هناك أسباب كثيرة تدعو الى توقع مواجهة أميركية ـ إيرانية نظراً الى انه ليس مسموحاً لإيران بامتلاك السلاح النووي. لكن هناك أسباباً اخرى تدعو الى توقع صفقة بين القوة العظمى الوحيدة في العالم وإيران بسبب العراق.
بموجب هذه الصفقة تضمن إيران مصالح أميركا في العراق وتضمن أميركا حداً أدنى من المصالح الإيرانية في العراق عبر الاحزاب الشيعية الكبيرة مثل "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" أو حزب "الدعوة" أو ميليشيا مقتدى الصدر.
مثل هذه الصفقة ليست مستبعدة إذا عدنا الى الماضي القريب، أي الى كانون الأول ديسمبر من العام 2002 حين انعقد مؤتمر للمعارضة العراقية في لندن برعاية مباشرة من الإدارة الأميركية. إن ذلك المؤتمر الذي أُقرت فيه وثيقة تؤكد وجود "أكثرية شيعية" في العراق ما كان ممكناً ان ينعقد لولا الدعم الإيراني ولولا ضغط إيران على "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" كي يحضر المؤتمر الذي مهد للعملية العسكرية الأميركية الكبيرة.
انه دليل واضح إلى إمكان حصول تعاون أميركي ـ إيراني في العراق... لكنه ايضاً دليل إلى ان هذا التعاون لا يلغي احتمالات المواجهة في السنة 2005 بدليل استمرار التوتر بين البلدين.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00