هناك مشكلة في العراق كان آخر تعبير عنها الانفجاران اللذان وقعا حديثاً في النجف وكربلاء المدينتين المقدستين لدى الشيعة، فقتل ما يزيد على ستين شخصاً في ما اعتبر الفاجعة الأسوأ منذ تموز الماضي.
ان الاعتراف بوجود المشكلة يشكل خطوة أولى في اتجاه ايجاد مخرج، ذلك ان التعامي عنها وتجاهلها لا يمكن الا ان يؤديا الى تعميقها واستفحالها مع مرور الأيام. والمشكلة ليست بنت البارحة اذ ساهم فيها نظام صدام حسين الذي ألحق ظلماً تاريخياً بالشيعة وعمل في الوقت ذاته على تغيير طبيعة المجتمع العراقي عبر القضاء على نسيج هذا المجتمع بكل فئاته وطوائفه ومذاهبه. أكثر من ذلك، في رقبة نظام صدام جرائم من النوع الذي يمكن ادراجه في قائمة الجرائم التي ترتكب في حق الانسانية وذلك عندما أقدم على تغيير الطبيعة السكانية للبلد في شماله الكردي وجنوبه الشيعي.
كانت تركة صدام ثقيلة، لكن هذه التركة لا تعالج بالطريقة التي اعتمدها الأميركيون منذ اسقاطهم النظام، أي بعمل كل شيء كي يبدو ان السنّة العرب يتحملون وزر نظام صدام وان في الامكان تهميشهم عبر سلسلة من الاجراءات بدأت بحل الجيش العراقي ومباشرة حملة لاجتثاث حزب البعث من جذوره.
ساهمت السياسة الأميركية في انفلات الغرائز، كل أنواع الغرائز. هناك سنّة يقتلون شيعة وهناك شيعة يقصفون جوامع سنّية كما حصل الأحد الماضي. وهناك كنائس تنفجر من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها بوضوح عن انها تريد بالفعل تهجير من بقي من مسيحيي العراق. وبكلام أوضح، هناك شعور لدى الشيعة عموماً باستثناء الواعين منهم بأن أمامهم فرصة لا تعوض للاستيلاء على البلد وحكمه وان ذلك يكون عبر استغلال الوجود الأميركي والمشاركة في الانتخابات. وهناك شعور لدى السنّة العرب بأنهم سيصبحون مواطنين من الدرجة الثانية في بلد ليس معروفاً الى أي مدى سيكون النفوذ الايراني قوياً في المستقبل.
الظلم لا يولد سوى الخوف. والخوف في حال مثل الحال العراقية لا يقود سوى الى التطرف. واذا كان هناك واقع لا مفر من الاعتراف به، فإن هذا الواقع يتمثل في ان الكوادر السنّية العربية تحولت من البعث الى تنظيمات اسلامية متطرفة تلعب هذه الأيام دوراً أساسياً في العمليات الارهابية التي يشهدها البلد. بعض هذه العمليات يعلن عنه والبعض الآخر لا يدري به أحد سوى قلة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر خطف نحو عشرة مسلحين قبل أيام مواطناً عراقياً شيعياً فاضلاً من امام بنايته في حي المنصور وهو أحد أرقى أحياء بغداد ويطالبون حالياً بفدية كبيرة وذلك لمعرفتهم ان الرجل الذي كان من معارضي نظام صدام في الماضي والذي عاد للعيش في بغداد بعد سقوط النظام يمتلك ما يكفي من الامكانات في الخارج.
ان هذا الحادث الذي لا يتحدث عنه أحد، خصوصاً ان لا مصلحة لعائلة المخطوف في كشف ما حصل، يدل على مدى تدهور الوضع الأمني في العراق وحال الفوضى السائدة في كل المدن والمناطق. فإذا كان عشرة مسلحين قادرون على خطف مواطن من احد أكثر الأماكن أمناً في العاصمة، ما الذي يمكن أن يتعرض له آخرون في مناطق لا تحظى بنعمة الأمن؟
ان المشكلة تزداد يومياً ويزداد معها الخوف والحذر المتبادلان بين العراقيين خصوصاً مع اصرار الأميركيين على الانتخابات التي يبدو انها ستجري في موعدها اي نهاية الشهر المقبل. والرهان الأميركي على الانتخابات ليس في الضرورة رهاناً في محله الا اذا أمكن الاتيان بمجلس يدخل بعض الطمأنينة الى أكثرية العراقيين. وأكثرية العراقيين تعني اكثرية الشيعة وأكثرية السنة وأكثرية الأكراد الذين بدأت تظهر لديهم مخاوف من ان تكون الانتخابات مدخلاً لتعزيز نفوذ بعض القوى الاقليمية على رأسها ايران في العراق.
سيتوقف الكثير على نتيجة الانتخابات وما اذا كان الثنائي المؤلف من الرئيس الموقت الشيخ غازي عجيل إلياور ورئيس الوزراء الموقت الدكتور اياد علاوي سيكون قادراً على الفوز بلائحة يمكن القول انها تمثل العراق والعراقيين القابلين بالعيش في بلد موحد تكون فيه مساواة بين المواطنين. ويقول الدكتور علاوي نفسه في مجالسه الخاصة ان الانتخابات في غاية الأهمية لأنها ستظهر ما اذا كان العراق سينتقل من وضعه الراهن الى وضع أفضل.
ستكون الانتخابات نقطة تحول في العراق، اذ ستظهر هل في الامكان الرهان على مستقبل البلد والتخلص من الفكرة القائلة انه لم يعد هناك ما يجمع بين العراقيين!
يعتبر بعض المتفائلين ان الديموقراطية التي تعبر عنها الانتخابات يمكن ان تعوض عن غياب الأمة العراقية التي تخرج منها دولة متماسكة اذ لا حاجة أحياناً الى وجود أمة لبناء دولة متى توافرت الممارسة الديموقراطية. لكن بعض المتشائمين يرد على هذا الكلام بأن لا مفر من معالجة المشكلة المذهبية التي أطلت برأسها بشكل وقح قبل الانتخابات. ويضيف هذا البعض ان من العبث اعتبار الانتخابات حلاً سحرياً ذلك ان الركض الى الديموقراطية في بلد لم يعرف الديموقراطية يوماً باستثناء بعض مظاهرها في العهد الملكي، يعتبر تصرفاً ينمّ عن سذاجة.
لم يعد يفصل عن الانتخابات العراقية سوى شهر وبضعة أيام. الشيء الوحيد الأكيد ان العنف مهما ازداد فلن يؤجل الانتخابات لكنه يمكن ان يقضي مسبقاً على أي أمل بانفراج بعدها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.