8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التوازن السياسي قبل الانتخابات العراقية

صارت قضية الانتخابات العراقية المقررة في 30 كانون الثاني المقبل أقرب الى الدوران في حلقة مغلقة أكثر من أي شيء آخر، خصوصاً أن مؤيدي الانتخابات يقولون انها ستأتي بالأمن فيما يؤكد المطالبون بتأجيلها بأنها ستؤدي الى مزيد من التدهور الأمني وان من الضروري التوصل الى حد أدنى من الاستقرار قبل الانتخابات.
الحقيقة ان ما يحتاج اليه العراق في هذه المرحلة هو كسر الحلقة المغلقة وذلك عبر ايجاد توازن سياسي في البلد لا يجعل الشيعة والسنّة على طرفي نقيض في شأن كل ما له علاقة بالانتخابات.. وبكلام أوضح لا بد من ان تنصب الجهود على فكرة الخروج من المأزق الذي وصل اليه العراق قبل إجراء الانتخابات وذلك لا يكون إلا عبر اقناع العراقيين بأن الانتخابات مخرج من الأزمة، وليست مخرجاً للأميركيين الساعين الى التخلص من الرمال المتحركة العراقية التي غرقوا فيها.
لا يمكن للمرء ان يكون ضد الانتخابات، ولكن لا بد من الاعتراف في الوقت ذاته بأن الانتخابات في كل بلدان العالم الراقية وسيلة وليست غاية في حد ذاتها. انها وسيلة للتعبير عن رأي الأكثرية الوطنية وليس الأكثرية العددية، هذا إذا كانت هناك أكثرية عددية في العراق، إضافة الى انها تتويج لعملية ديموقراطية في دولة فيها مؤسسات وحياة سياسية صحية.
المؤسف ان الانتخابات في العراق تأتي لتتويج عملية قلب نظام بالقوة نفذتها الإدارة الأميركية. بالطبع لا يمكن الدفاع عن نظام صدام حسين ولا عن الجرائم التي ارتكبها، ولكن لا يمكن في الوقت ذاته معالجة الاخطاء التي وراءها النظام المخلوع، بأخطاء جديدة تضاف الى سلسلة الاخطاء التي ارتكبت منذ 9 نيسان 2003، تاريخ دخول الجيش الأميركي الى بغداد. وفي طليعة هذه الاخطاء يأتي قرار حل الجيش العراقي الذي اتخذه بول بريمر الحاكم المدني للعراق بعيد توليه هذا الموقع صيف العام 2003، وذلك بمبادرة شخصية منه، على حد تعبيره، ومن دون العودة الى واشنطن!
الملفت انه كلما اقترب موعد الانتخابات زادت الأوضاع سوءاً في العراق، اقله من الناحية الأمنية، وزاد التجاذب بين المؤيدين والرافضين لها أو المطالبين بتأجيلها. وفي الأيام القليلة الماضية تحولت الموصل الى احدى النقاط الساخنة. وتكمن أهمية الموصل في انها من المدن العراقية الكبيرة التي تتعايش فيها بسلام ومنذ قرون طوائف ومذاهب وقوميات. وإذا كان من مغزى لما يدور في الموصل، فإن هذا المغزى يكمن في ان على الأميركيين ألا يعتقدوا انهم استطاعوا تأمين الهدوء والاستقرار في البلد بمجرد انهم اجتاحوا الفلوجة. كل ما في الأمر أن أعداداً كبيرة من المسلحين الذين كانوا في الفلوجة انتقلوا الى الموصل ومناطق اخرى للعمل فيها ضد الأميركيين وقوات الشرطة والحرس الوطني العراقي.
من حق الرئيس العراقي الشيخ غازي عجيل الياور وهو سني من احدى أكبر القبائل في المنطقة المناداة من واشنطن بضرورة إجراء الانتخابات خصوصاً ان الأميركيين يصرّون عليها. ومن واجب رئيس الحكومة الموقتة الدكتور اياد علاوي العمل من أجل الانتخابات ومن أجل إجرائها في موعدها، ولكن من الضروري في الوقت ذاته البحث عن تغطية سياسية سنية للانتخابات لا أكثر ولا أقل. ومن دون هذه التغطية ستكون الانتخابات وسيلة لزيادة الهوة بين الشيعة والسنّة العرب في بلد يشعر فيه بعض الشيعة للأسف الشديد ان الوقت حان لانتزاع السلطة من "الأقلية" التي احتكرتها لنفسها منذ قيام دولة العراق في العشرينات.
هذا لا يعني انه لم يلحق ظلم تاريخي بشيعة العراق. على العكس من ذلك، يجب العمل على معالجة هذا الظلم ولكن بطريقة مختلفة، أي من دون إجراء انتخابات تستهدف القول ان انتخابات أجريت وان العراق صار "نموذجاً للديموقراطية" في المنطقة كما تصور الأميركيون في مرحلة ما. وتبين لاحقاً أن هذه التصورات ستظل كذلك ولا علاقة بالحقيقة والواقع.
باختصار، يفترض في الانتخابات العراقية ان تكون خطوة على طريق تسوية المشاكل السياسية والأمنية في البلد. ولعل المشكلة الأولى تكمن في تحول كثيرين من السنّة الى المنظمات الإسلامية المتطرفة بعدما كان هؤلاء ينتمون في مرحلة ما الى حزب البعث الذي يعتبر ايديولوجيًا من الاحزاب القريبة من النهج العلماني.
لا بدّ من قول نعم للانتخابات العراقية، ولكن شرط تأمين الظروف الموضوعية لإنجاحها، أي ضمان حد أدنى من التوازن السياسي في البلد. وفي غياب مثل هذا التوازن، ستكون للانتخابات نتائج سلبية ليس على العراق فحسب، بل على المنطقة كلها ايضاً. الظلم لا يعالج بالظلم والخطأ لا يعالج بخطأ آخر. كل المطلوب انه يكون بحث عن طريقة لكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها البلد وذلك يكون بالسياسة أولاً وبالحوار مع العقلاء من أهل السنّة العرب الذين لا بدّ من طمأنتهم الى ان الانتخابات ليست من أجل الانتقام منهم بل هي مخرج للعراقيين، كل العراقيين من الأزمة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00