8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

.. ولكن ماذا يريد مروان البرغوثي؟

لا يمكن إلا استغراب القرار الذي اتخذه السيد مروان البرغوثي بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية الفلسطينية. ومنطلق هذا الاستغراب أن موقفه يساهم في تفكيك الموقف الذي اتخذته "فتح"، وموقف "فتح" لم يصدر عن اللجنة المركزية للحركة فحسب، بل صدر أيضاً عن المجلس الثوري الذي يُعتبر صلة الوصل بين المؤتمر العام لـ"فتح" واللجنة المركزية ويضم مئة وتسعة وعشرين عضواً. ويفترض من المجلس الثوري أن يمثل القيادات الوسط في "فتح"، وهي قيادات تتعاطف في معظمها مع مروان البرغوثي بصفة كونه مناضلاً حقيقياً قدّم كل ما لديه من أجل قضية شعبه... الى حد دخوله السجن مع نجله الذي يدعى القسام.
بصراحة كاملة إن قرار مروان البرغوثي يؤدي الى شق "فتح"، إلا إذا حصل تراجع عنه. والأكيد أن شق الحركة لا يخدم القضية في أي شكل، خصوصاً في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد ياسر عرفات الزعيم والقائد الذي كان قادراً على جمع الفتحاويين الحقيقيين حوله في كل الأوقات والظروف. لقد كان "أبو عمار" قائداً استثنائياً. والحاجة الآن الى جهود استثنائية على كل صعيد لملء الفراغ الذي خلفه بما في ذلك الحؤول دون حصول انشقاقات داخل الحركة. على العكس من ذلك، ثمة حاجة الى توحيد صفوف الحركة في وقت تبدو حكومة آرييل شارون في حال تفكك بعد طرد وزراء حزب "شينوي" منها بسبب الخلافات في شأن الموازنة.
يبدو قرار مروان البرغوثي بالترشح، وكأنه أول قرار نشاز يتخذ منذ غياب "أبو عمار". وكان ملفتاً أن مرحلة الأسابيع الثلاثة التي تلت الوفاة أظهرت أن هناك نضجاً سياسياً لدى القيادات الفلسطينية. الأهم من ذلك، تبيّن أن المؤسسات الفلسطينية، أي رئاسة السلطة الوطنية والحكومة والمجلس التشريعي تعمل بشكل طبيعي. وأدت هذه المؤسسات كل ما هو مطلوب منها استناداً الى الدستور المعمول به، كما وزعت صلاحيات "أبو عمار" بطريقة معقولة جعلت من "أبو مازن" رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وذلك في انتظار تحوله رئيساً منتخباً للسلطة الوطنية. وهذا يعني أنه سيكون رئيساً يتمتع بشرعية من جهة، كما سيكون قادراً من جهة أخرى على اتخاذ قرارات مهمة تؤدي الى إحراج آرييل شارون الساعي الى الانسحاب من غزة والاستمرار في بناء "الجدار الأمني" بغية تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية ومدينة القدس بكاملها.
مرة أخرى، هناك حاجة أكثر من أي وقت الى وحدة "فتح"، ذلك أن "فتح" القوية تشكّل العمود الفقري لموقف فلسطيني صلب قادر على استعادة المبادرة سياسياً والقول للعالم إن الحجة التي تتذرع بها الحكومة الإسرائيلية لعدم الدخول في مفاوضات جدية هي حجة واهية ليس إلا. إن "فتح" القوية تستطيع وضع حد للمناورات الإسرائيلية الهادفة الى الرهان على الوقت من أجل فرض أمر واقع جديد يتمثل في إقامة مزيد من المستعمرات في الضفة الغربية. و"فتح" القوية قادرة على القول للآخرين إن فوضى السلاح لا بد أن تنتهي وأنه من دون الانتهاء من فوضى السلاح لا أمل يمكن الجانب الفلسطيني من تقديم نفسه كقوة سياسية قادرة على الدخول في مفاوضات جدية تؤدي الى تسوية معقولة ومقبولة تنتهي بقيام دولة فلسطينية مستقلة "قابلة للحياة".
ما الذي يمكن أن يحمل مناضلاً صلباً مثل مروان البرغوثي على ترشيح نفسه في مواجهة مرشح "فتح"؟ هل يعتقد أنه يمتلك وحده الشرعية التي تستطيع أن تسبغها "فتح" على من يريد الوصول الى موقع رئيس السلطة الوطنية؟ أم أنه يخشى من أن يقدم "أبو مازن" تنازلات معيّنة، خصوصاً في ما يخص "حق العودة"، وأنه ترشح لمنع تقديم هذه التنازلات؟... أم يعتقد أنه في حال كان لا بد من تنازلات، ليس هناك شخص غيره قادر على تقديمها وذلك في ضوء تاريخه النضالي الذي لا يستطيع أحد التشكيك به؟
في كل الأحوال، إن موقف مروان البرغوثي محير، وفي استطاعته العودة عنه قبل فوات الأوان، خصوصاً أنه لا يمكن تجاهل أن للرجل شعبية كبيرة ورصيداً ضخماً. ومن المؤسف أن يوظف هذه الشعبية وهذا الرصيد في مجالات لا تؤدي الى خدمة القضية الفلسطينية في مرحلة ما بعد ياسر عرفات. وبكلام أوضح ما يخدم القضية في هذه الأيام يتمثل في مشروع سياسي واقعي وواضح يأخذ في الاعتبار المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية. إنه مشروع يغرق بين الممكن والمستحيل. وما عدا ذلك شعارات وتظاهرات وعراضات مسلحة يسير فيها ملثمون سيتبيّن في ختام المطاف أنهم يؤدون أفضل خدمة لإسرائيل التي استطاعت أن تسوّق أميركياً أن "لا شريك فلسطينياً تستطيع التفاوض معه". هل يريد مروان البرغوثي التصدي لهذه المقولة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية أم تثبيتها؟ كل شيء سيعتمد في النهاية على استمراره في ترشيحه أو سحبه؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00