8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تحول المجتمع الأميركي باتجاه المزيد من التزمت

لم يكن انتصار جورج بوش الابن في معركة تجديد ولايته انتصاراً على جون كيري فقط. ولم يكن مجرد انتصار على أميركا الليبرالية. ولم يكن فقط انتقاماً للعائلة من السياسة التي حالت دون تمكن بوش الأب من الحصول على ولاية ثانية. كان انتصار بوش الابن (أو جورج دبليو) انتصاراً للأصولية الدينية أولاً، تلك الأصولية جيشت كل إمكاناتها بالتحالف مع شركات النفط والأدوية الكبرى من أجل ضمان وصول الرجل الى الرئاسة مرة أخرى والحصول في الوقت نفسه على تفويض شعبي يمكنه من متابعة ما يسميه "الحرب على الإرهاب".
تكفي نظرة الى خريطة الولايات المتحدة الأميركية للتأكد من ذلك. كل الولايات المتحدة الليبرالية على رأسها كاليفورنيا ونيويورك ومساتشوستس صوتت لجون كيري. إنها الولايات التي على تماس مع العالم أو على الأصح مع العولمة.
وذلك عائد إما لأنها مرتبطة بعالم المال والأعمال وإما بالتكنولوجيا الحديثة وإما بقيم حضارية تجعل المقيم فيها أقرب الى أن يكون مواطناً عالمياً أكثر من أي شيء آخر. إنه مواطن قادر على أن يعيش في أي مكان من العالم ويتأقلم مع الآخرين ويعايشهم. وفي هذا المجال لا يمكن تجاهل أن معظم الأميركيين اليهود صوتوا لكيري ليس لأنه كان أكثر تأييداً من بوش لإسرائيل بل لأن يهود أميركا في معظمهم ليبراليون لا ينطلي عليهم كلام من نوع أن "ارييل شارون رجل سلام" حتى ولو صدر عن رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
ما حصل في الولايات المتحدة الثلاثاء الماضي كان انتصاراً للأصولية البروتستانتية وتكريساً للتحول الذي يشهده المجتمع الأميركي نحو مزيد من التزمت. إنه الفكر الذي شجع على أصوليات أخرى في الماضي وسيشجع على ذلك في المستقبل أكان ذلك على الصعيد الإسلامي أو اليهودي وفي أماكن مختلفة من العالم. ولهذا السبب أدرك المواطنون الأوروبيون في معظمهم الخطر الذي كان يمثله بوش الابن ووقفوا ضده. هذا ما حصل في فرنسا وفي بريطانيا توني بلير وفي ألمانيا وايطاليا. في كل تلك البلدان أظهرت الاستطلاعات التي أجريت أن هناك أكثرية واضحة ضد بوش الابن وكل ما يمثله وخوفاً من سياساته، على رأسها حربه على الإرهاب، التي قادت الى احتلال العراق.
تحت شعارات مطاطة من نوع الإصلاحات السياسية لم يكن مستغرباً أن يلقى دعم ارييل شارون المنادي بتكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية وأجزاء من الضفة الغربية مع ما يعنيه ذلك من إدامة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، وهي إدامة تغذي الحركات الدينية المتطرفة في فلسطين وتدفعها الى مزيد من الأعمال الطائشة التي تنم عن حال من اليأس. كذلك لم يكن مستغرباً أن يدلي اسامة بن لادن بصوته في الانتخابات الأميركية، فأيد تجديد ولاية بوش الابن الذي كان يصلي من أجل أن تكون الحرب على الإرهاب محور المعركة الانتخابية مع كيري وليس حرب العراق أو حال الاقتصاد الأميركي.
في حربه على الإرهاب، لم يفعل بوش سوى دعم كل ما يمكن التشجيع على تفريخ حركات أصولية في إسرائيل وفي العالمين العربي والإسلامي وتشجيع هذه الحركات على الذهاب بعيداً في تصرفاتها. من كان يتصور قبل بدء حرب العراق أن جماعات ستتمكن من خطف أجانب وعرب في هذا البلد وقطع رؤوسهم بطريقة أقل ما يمكن أن توصف به أنها همجية؟ من كان يتصور أن رئيس وزراء إسرائيل سيتمكن بتشجيع من رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم من تحدي العالم وبناء "جدار أمني" يقول عبره إن التسوية في الشرق الأوسط تفرضها إسرائيل ولا أحد غير إسرائيل وإن الدولة اليهودية تحدد لنفسها الحدود التي تريدها؟ من كان يتصور أن حزباً إسرائيلياً يدعى "إسرائيل بيتنا" سيطالب بتهجير نصف عرب إسرائيل الذين اسمهم عرب 1948؟
تتغذى الأصوليات من بعضها بعضاً. وما تحتاج اليه الولايات المتحدة هو رئيس عاقل يدرك جيداً أن القرن الواحد والعشرين بدأ بداية سيئة بعد العمل الإرهابي الذي استهدف واشنطن ونيويورك في 11 أيلول 2001. لكن معالجة ما بعد أحداث 11 أيلول كانت معالجة أكثر من سيئة وأن ثمة حاجة الى مراجعة عميقة للسياسات التي تمارسها الولايات المتحدة. ولعل السؤال الكبير الذي لا مفر من طرحه هذه الأيام هل يقر بوش الابن بأن ما قام به منذ 11 أيلول 2001 كان الخطأ بعينه وأنه وفر من حيث يدري أو لا يدري ملاذاً للإرهابيين من كل حدب وصوب في العراق فيعترف أمام المرآة بأن لا بد من إشراك آخرين في صنع القرار المتعلق بالحرب على الإرهاب؟ أم يرى في نتيجة الانتخابات اعترافاً بأنه عصيب في كل ما يقوم به؟ إذا فعل ذلك، يمكن القول منذ الآن إن العالم في السنوات الأربع المقبلة سينتقل من كارثة الى أخرى وسوف يعيش على وتيرة يصنعها الأصوليون.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00