لا يمكن تخيل فلسطين من دون ياسر عرفات أمد الله بعمره.
فالرجل أمضى عمره يعمل من أجل فلسطين. أخطأ وأصاب وأصاب وأخطأ لكنه استطاع أن يوجد فلسطين على الخريطة السياسية. وهذا يعني بكل بساطة أن الدولة الفلسطينية لا يمكن إلا أن تتحول حقيقة يوماً ما أكان ذلك بعد سنة أو بعد عشر سنوات.
لا شك أن الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني يواجه وضعاً صحياً حرجاً وأن حياته مهددة. ويأتي هذا التطور في وقت يصر ارييل شارون على خلق أمر واقع جديد على الأرض يتمثل في الانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات المقامة في القطاع والعمل على ضم أجزاء من الضفة الغربية الى إسرائيل بشكل نهائي عن طريق بناء "الجدار الأمني".
سيكون في استطاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ساهم الى حد كبير في ايصال ياسر عرفات الى ما وصل اليه على صعيد تدهور صحته وذلك عبر وضعه في الإقامة الجبرية في رام الله، الاستفادة من الفراغ الذي سيخلفه مرض الرئيس الفلسطيني ومن لامبالاة الإدارة الأميركية تجاه كل الجرائم التي يرتكبها. ولذلك ثمة ضرورة لتحرك فلسطيني سريع يؤكد لشارون أن ياسر عرفات قادر من على سرير المرض مواجهة أطماعه وسياساته. وذلك لا يكون إلا باعتماد قيادة جماعية تضم مجموعة من العقلاء على رأسهم السيد محمود عباس (أبو مازن) تتولى تسيير الأمور واتخاذ قرارات جريئة تصب أول ما تصب في اتجاه إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة. فالأمر الذي لا يمكن تجاهله في هذه المرحلة يتمثل في أن أكثر ما أضر بقضية الشعب الفلسطيني كان نجاح ارييل شارون في ايجاد قطيعة بين ياسر عرفات وواشنطن.
إن هذه القطيعة يجب أن يوضع لها حد، وقد سعى ياسر عرفات طوال حياته السياسية الى إقامة علاقات أكثر من طبيعية مع الولايات المتحدة، والمؤسف أنه عندما توصل الى ذلك وبعدما صار في العام 2000 أكثر زعماء العالم تردداً على البيت الأبيض، إذا به يرتكب الخطأ تلو الخطأ معتقداً أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تجاهله وأنه عاجلاً أم آجلاً ستعود اليه... وإذا بها لا تعود!
إذا كان هناك عقل سياسي فلسطيني واعٍ لخطورة ما يدور من أحداث في هذه المرحلة، يُفترض في هذا العقل أن يتحرك على وجه السرعة من أجل الإقدام على خطوة ما تؤدي الى معاودة الحوار مع واشنطن، صحيح أن هذه المهمة ليست سهلة وأن ثمة حاجة الى جهود جبارة لتحقيق العودة الفلسطينية الى واشنطن، إلا أن الصحيح أيضاً هو أنه في الإمكان الاستعانة ببعض العرب من أجل تحقيق نتائج شرط حصول ذلك من دون أي نوع من العقد والحساسيات. والأكيد أن الأردن مؤهل لمساعدة الجانب الفلسطيني في إعادة مدّ الجسور مع الإدارة الأميركية في مرحلة ما بعد الانتخابات في الثاني من تشرين الثاني الجاري خصوصاً إذا استطاع جورج بوش الابن الاحتفاظ بالرئاسة. وما لا بد من الإشارة اليه في هذا المجال أن هناك مصلحة مشتركة بين الفلسطينيين والأردن في مواجهة "الجدار الأمني" الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية والذي يستهدف الحؤول دون قيام دولة فلسطينية مستقبلاً. ومنع قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" يشكل تهديداً مباشراً للأردن الذي لا يستطيع أن يأمن جانب ارييل شارون صاحب مشروع الوطن البديل للشعب الفلسطيني على الضفة الشرقية لنهر الأردن، وذلك على الرغم من أن اتفاق السلام الأردني ـ الفلسطيني يشكل عقبة كبيرة في طريق هذا المشروع.
كذلك، لا بد للعقل الفلسطيني من التصرف من منطلق أن إسرائيل ستنسحب من غرة عاجلاً أو آجلاً وأن ثمة طريقتين لملء الفراغ الذي سيخلفه زوال الاحتلال عن القطاع. تتلخص الطريقة الأولى باستمرار فوضى السلاح في غزة والطريقة الأخرى بالعمل على ضبط الأمور وتحويل غزة نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً دولة فلسطينية مسالمة تريد أن تضمن للشعب الفلسطيني ممارسة حقوقه المشروعة في إطارها.
أعاد الله الصحة لياسر عرفات وأمد بعمره، لكن محبة الشخص والولاء له شيء والعمل على منع شارون من الاستفادة من الظروف الصحية الصعبة التي يمر فيها شيء آخر. هناك باختصار وحش مفترس على استعداد لانتهاز كل الفرص للانقضاض على الشعب الفلسطيني وحقوقه. وهذا الوحش لا يواجه بالتردد أو بلعبة السلاح وهي اللعبة المفضلة لشارون حتى إشعار آخر. إن المواجهة تكون بمراجعة شاملة للوضع الفلسطيني والبناء على الإنجاز الأكبر لياسر عرفات المتمثل في ايجاد مكان لفلسطين على الخريطة السياسية للشرق الأوسط.
وكلما كان العقل الفلسطيني واعياً وعاقلاً وشجاعاً وواقعياً، اقترب تحقيق الحلم، حلم نقل فلسطين من الخريطة السياسية الى الخريطة الجغرافية للشرق الأوسط، المنطقة التي تعيد الولايات المتحدة حالياً تشكيلها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.