8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السبب الكافي لتفضيل كيري على بوش

هل يدخل جون كيري بعض الانسانية الى السياسة الأميركية في حال فوزه على جورج بوش الابن الثلاثاء المقبل؟ انه احتمال ضعيف، ولكن بعد الذي شاهدناه ولمسناه في السنوات الأربع الأخيرة ان في العراق أو في فلسطين لا يمكن إلا المراهنة على جون كيري وذلك من زاوية ان ماضي الرجل لا بد ان يدفعه الى التفكير في طريقة مختلفة عن المحافظين الجدد الذين احاطوا ببوش الابن. هؤلاء المحافظون الجدد الذين اخذوه الى العراق بحجة انهم يخوضون حرباً على الإرهاب لم يترددوا في دفعه الى تغيير القوانين والمبادئ التي تحكمت بالتسوية السياسية في الشرق الأوسط والتي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام لمصلحة تفضيل الأرض على السلام.
على الرغم من انه لا بد من التعاطي بحذر مع السناتور كيري، خصوصاً بعدما تحدث السناتور جون ادواردز رفيقه في اللائحة الديموقراطية والمرشح لمنصب نائب الرئيس وزايد على ديك تشيني نائب بوش في كل ما له علاقة بقضية فلسطين والحل المبني على اقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، لا يمكن أن يذهب المرشح الديموقراطي في حال صار رئيساً الى ما ذهب اليه بوش الابن وإدارته.
قبل كل شيء، لا بد من التذكير بأن كيري عاش في أوروبا وهو انسان يتفاعل مع مشاعر الناس على الرغم من انه يبدو جافاً في معظم الأحيان وانه من نوع الذين يتحدثون من دون توقف بطريقة مملة لفترة طويلة. يكفي التذكير بأن جون كيري وهو نجل لديبلوماسي أميركي خدم في أوروبا خاض تجربة حرب فيتنام وكان قائداً لأحد الزوارق وشارك في القتال وانقذ رفاقاً له من الموت كما أصيب ثلاث مرات. ولكن عندما عاد الى الولايات المتحدة لعب دوراً مهماً على صعيد رفض استمرار الحرب ومثل أمام احدى لجان الكونغرس في العام 1971 وندد بالتجاوزات التي ارتكبها الجنود الأميركيون في فيتنام وصار اسمه على لائحة من باتت الإدارة تسميهم "الأعداء الشخصيين" للرئيس ريتشارد نيكسون.
لا يمكن لحرب فيتنام إلا ان تكون اثرت في جون كيري الذي يبلغ الستين من العمر والذي انتخب عضواً في مجلس الشيوخ في العام 1984 وبقي عضواً فيه منذ ذلك التاريخ ممثلاً ولاية مساتشوستس المعروفة بأجوائها الليبرالية. لا يمكن لأي سياسي أميركي يتمتع بحد أدنى من الخبرة والثقافة مثل جون كيري ان يقبل بما يقوم به بوش الابن إن في العراق أو في فلسطين. لا يمكن لسياسي من هذا النوع إلا ان يتذكر ان حرب العراق حرب ظالمة قامت على حجج واهية وانها لم تساهم في تحسين أوضاع الشعب العراقي الذي عانى الكثير من ظلم صدام حسين، بل على العكس من ذلك أدت الى زيادة بؤس هذا الشعب بؤساً.
في النهاية، خرج كيري أخيراً عن صمته واعترف بأنه أخطأ عندما أيد بصفة كونه عضواً في مجلس الشيوخ شن الحرب على العراق، واكتشف ان إدارة بوش الابن "تتبع أكثر السياسات الخارجية عجرفة في التاريخ الحديث للولايات المتحدة. أكثر من ذلك، قال ان هذه السياسة غير صالحة".
لا يمكن لرجل مثل جون كيري مطلع على الحضارة الأوروبية ومتفاعل معها أن يتخلى عن انسانيته والا يفكر مثلما يفكر ملايين الأميركيين الذين يرددون هذه الأيام: "اننا نعرف لماذا يخسر جورج بوش في العراق وداخل أميركا نفسها. انه يخسر لانه استخف في الحالين بقدرة الروح الانسانية على التمرد في مواجهة الظلم وسوء استخدام السلطة وسوء التصرف".
ان ملايين الأميركيين يشعرون هذه الأيام بأن جورج بوش الابن خيب آمالهم وأدخلهم في مغامرة ليس معروفاً كيف سيخرج بلدهم منها. انها حرب خاسرة تلك التي تخوضها أميركا في العراق، لكنها حرب لا يمكن إلا ان يخسرها العراقيون ايضاً بعدما افلتت كل الغرائز من عقالها. ولعل آخر دليل على ذلك الهمجية التي استخدمت في قتل مجندي الحرس الوطني في منطقة قريبة من الحدود الإيرانية.
من الصعب الرهان على جون كيري، لكن المشكلة ان الطريقة التي تعاطى بها بوش الابن مع قضايا العرب تدفع الى التعلق بحبال الهواء والقول إن ليس في استطاعة أي إدارة مختلفة مهما ضمت من مؤيدي إسرائيل ان تكون أسوأ من الإدارة الحالية في العراق أو فلسطين. ان رجلاً مثل جون كيري سيسعى في كل الأحوال الى الاستماع الى نصائح الأوروبيين الذين يدركون أن أميركا في مأزق اسمه العراق وان قضية فلسطين لا يمكن ان تحل على حساب الشعب الفلسطيني... أو ليس ذلك سبباً كافياً للقول ان جون كيري أفضل من جورج دبليو بوش الذي وصف ارييل شارون بانه "رجل سلام"؟!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00