8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

شارون يهرب الى أمام.. الى أين؟

تذكَر ارييل شارون بداية السنة الخامسة للانتفاضة الفلسطينية الثانية التي سميت انتفاضة الأقصى على طريقته. أقدم على اغتيال قيادي من "حماس" في دمشق، وكأن مثل هذه الأعمال التي ترفع حدة التوتر في المنطقة يمكن ان تحل أي مشكلة من المشاكل التي تواجه اسرائيل.
يمكن أن تكون هناك انتقادات كثيرة للسياسة التي تتبعها حركة "حماس". يمكن مثلاً إدانة العمليات الانتحارية من دون تردد، خصوصاً تلك التي وقعت داخل "الخط الاخضر" والتي استهدفت مدنيين كانوا في باصات أو مطاعم أو ملاه. لقد جرّت تلك العمليات الويلات على الشعب الفلسطيني الذي فقد بعدها أي دعم خارجي لقضيته وظهر في مظهر المجرم في حين انه الضحية. والحقيقة ان ما يعانيه الشعب الفلسطيني لم يعانِ منه أي شعب في العالم نظراً الى أنه يتعرض لعملية إرهابية تمارسها دولة تمتلك اكبر ترسانة للأسلحة في الشرق الاوسط هدفها تكريس الاحتلال ومصادرة حقوق شعب موجود على الخريطة السياسية للمنطقة بقوة.
كذلك يمكن انتقاد موقف "حماس" من السلطة الوطنية الفلسطينية ومن رغبتها في اضعاف هذه السلطة ملتقية بذلك من حيث تدري أو لا تدري مع شارون. ويمكن أيضاً انتقاد "حماس" لأنها لا تقول صراحة انها تسعى الى السلطة وانها تريد الحلول مكان السلطة الوطنية في حين ان واجبها الوطني كان يتمثل في الانضمام الى السلطة الوطنية والسعي الى اصلاحها من داخل كان عليها عمل ذلك مع فهم واضع لطبيعة التوازنات التي تتحكم بأي قرار تتخذه القيادة الفلسطينية، فانتهت "حماس" تهلّل لياسر عرفات وتدعمه حين يخطئ وتعترض على أي موقف صائب يتخذه وتسعى الى عرقلته.
هناك علامات استفهام كثيرة تطرحها سلسلة المواقف التي اتخذتها "حماس" وصبّت كلها في خدمة الاحتلال الاسرائيلي وجعلت ارييل شارون قادراً على أن يسوّق في العالم، على الرغم من اعتراضات محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، "الجدار الأمني" الذي يبنيه والذي يستهدف فرض أمر واقع على الأرض يتمثل في اقتطاع أراض من الضفة الغربية وعزل القدس الشرقية وإلحاقها بالدولة اليهودية.
يمكن قول كل ذلك وأكثر ولكن يبقى سؤال واحد هو لماذا وجد قيادي من "حماس" في دمشق بدل ان يكون هذا القيادي على أرضه ومع عائلته؟ أليست اسرائيل مسؤولة عن ذلك، ألم تبعد هذا القيادي الى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992 ثم منعته من العودة الى غزة.
لعل اخطر ما تدل عليه الجريمة التي أقدم عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي وجود نية لديه في التصعيد، وذلك في عملية هروب الى امام من المشاكل التي تواجهها حكومته المنقسمة على نفسها على رأسها عدم القدرة على تنفيذ انسحاب من جانب واحد من غزة. اضافة الى ذلك، وبعدما كانت المؤسسة العسكرية ـ الأمنية الاسرائيلية موافقة على خطة غزة، بدأت تعلو اصوات من داخلها خصوصاً من الجيش والشاباك (جهاز الأمن الداخلي) في شأن مخاطر تنفيذ الانسحاب من غزة. وستزداد هذه الأصوات مع مرور الوقت في ضوء اصرار "حماس" وغير "حماس" على اطلاق صواريخ من النوع المضحك ـ المبكي من داخل غزة في اتجاه تجمعات سكانية اسرائيلية. وفوق ذلك، تبدو مصر في هذه المرحلة وبسبب الممارسات الاسرائيلية مترددة في التعاون من أجل تحويل الانسحاب من غزة نجاحاً سياسياً لها وللفلسطينيين. والواضح ان مصر التي لديها مصلحة في ان تكون غزة هادئة وخارج سيطرة المنظمات المتطرفة الى أي جهة انتمت، لديها شكوكها في النيات الاسرائيلية. وهذه الشكوك أكثر من مشروعة نظراً الى ان القاهرة لا تستطيع ان تلعب دوراً يصب في تغطية سياسة اسرائيلية تستهدف التخلص من غزة للانصراف الى بناء الجدار العازل، بدل أن يكون الانسحاب من غزة خطوة على طريق تسوية شاملة معقولة ومقبولة تنهي الاحتلال.
في ظل انشغال الادارة الأميركية في الانتخابات الرئاسية وعدم قدرتها على لجم شارون، أو رغبتها في ذلك، يخشى أن تكون جريمة اغتيال القيادي في "حماس"، وهي جريمة تستهدف سوريا أيضاً، بداية تصعيد نوعي تمارسه اسرائيل ـ شارون التي ترى ان لديها من الآن الى موعد الانتخابات الأميركية في 2 تشرين الثاني المقبل فرصة لا تعوض. فرصة لا تعوض من أجل نسف أي اساس يمكن ان تقوم عليه تسوية تؤدي الى زوال الاحتلال وجعل أي قيادي في "حماس" يفكر طويلاً قبل أن يرسل شاباً أو شابة لتنفيذ عملية انتحارية أو الإقدام على عمل لا هدف له سوى الاجهاز على ما تبقى من السلطة الوطنية الفلسطينية.
بعد أربع سنوات من القتل اليومي والدمار، يفترض في ارييل شارون ومن لف لفّه الوصول الى قناعة فحواها ان الحل في المنطقة لا يمكن ان يتحقق بواسطة القوة. انه حل سياسي أولاً وأخيراً، حل لا يمكن ان يكون أساسه "الجدار الأمني" في الضفة الغربية والرغبة في انتزاع الجولان من سوريا. ان مثل هذا الحل يؤسس لحروب جديدة في المنطقة معروف كيف تبدأ وليس معروفاً كيف يمكن أن تنتهي. من كان يتصور ان العملية الأميركية في العراق التي بدأت بإسقاط النظام ستؤول الى ما آلت اليه، أي الى جعل العراق بمثابة ملجأ آمن لكل انواع الارهاب والارهابيين. هل يمكن للعالم ان يترك شارون يمارس عملية الهروب الى أمام من دون أن يسأله الى أين؟ هل يريد إشعال المنطقة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00