8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا تأخر كوفي أنان في اعترافه؟

جاء اعتراف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بأن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق "غير شرعية" متأخراً. ولكن يبقى من الأفضل أن يأتي الاعتراف متأخراً من أن لا يأتي أبداً.
مضت سنة ونصف سنة على بدء العمليات العسكرية في العراق. ومنذ سقوط النظام في 9 نيسان من العام الماضي، لم يمر يوم لم يسقط فيه قتلى. والملفت في الأشهر القليلة الماضية تحوّل المواجهات في معظمها إلى مواجهات بين عراقيين وعراقيين بما يشير إلى أن البلد يقترب أكثر فأكثر من حرب أهلية.
لا يمكن تجاهل أن القوات الأميركية تتعرّض يومياً لعمليات تؤدي إلى سقوط قتلى في صفوفها. يؤكد ذلك أن هناك مقاومة حقيقية وجدية للاحتلال، لكن لا شيء يخفي الواقع المتمثل في أن أكثرية الضحايا من العراقيين وأن عراقيين يقتلون عراقيين وأن الأميركيين لا يبالون كثيراً بذلك وأن همهم منصب على الحد من الاصابات في صفوف قواتهم.
ان كلام كوفي أنان الرجل الذي حاول تفادي الحرب على العراق عن طريق إعطاء كل الوقت للمفتشين الدوليين يعكس إلى حد كبير المأزق الذي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيه، وهو يأتي بعد أيام من كلام الرئيس جاك شيراك عن أن "أبواب جهنم فتحت في العراق". ويظل السؤال المكرر والممل في النهاية ما الذي جر القوة العظمى الوحيدة في العالم إلى العراق إلى خوض حربها مع نظام صدام حسين على الرغم من أنه لم تكن لديها مسوّغات قانونية تستند إليها لتبرير الحرب. ألم يضطر وزير الخارجية كولن باول إلى الاعتراف بدوره أخيراً أن المعلومات التي أوردها أمام مجلس الأمن في شأن امتلاك العراق أسلحة للدمار الشامل وعلاقاته بتنظيم "القاعدة" لم تكن صحيحة.
كلما مر الوقت تزداد مخاطر الحرب الأهلية في العراق ويزداد معها خطر تقسيم العراق، والخوف كل الخوف أن يكون المشروع الذي يمثله الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء الموقت لإعادة بناء الدولة جاء متأخراً بدليل أن القوات الأمنية التابعة للحكومة والتي يفترض أن تكون بإمرتها تحوّلت إلى ميليشيا من فصيل ميليشيات الحرب اللبنانية، تسرق وتقتل وتذبح. ولا حاجة إلى التذكير بالطريقة التي قتل بها اللبنانيون الثلاثة قبل أسبوع بعدما دخل المسلحون بزي رجال الشرطة حي السفارات في بغداد حيث يقع المنزل الذي يقيمون فيه. قُتل الثلاثة في المنزل الواقع في واحد من أكثر الأحياء أمناً وأماناً في بغداد، أو هكذا يفترض. وعندما يقع حادث من هذا النوع يليه حادث آخر مثل خطف الأميركيين والبريطاني من حي المنصور الذي يعتبر أحد أحياء النخبة في البلد، يصبح مشروعاً القول ان العراق ينزلق في اتجاه الحرب الأهلية فيما الأميركيون يتفرّجون.
في آب من العام 1966 زار شارل ديغول بنوم بنه عاصمة كمبوديا، وأطلق من هناك دعوته الشهيرة إلى الأميركيين من أجل الانسحاب من فيتنام، وكان رد الفعل الأميركي أن الرجل مغرور وأن حساباته ضيّقة لا يفسرها سوى كرهه للولايات المتحدة. بعد تسع سنوات أكملت أميركا انسحابها من فيتنام بطريقة مذلة، لكنها رفضت أن تتذكر أن ديغول كان على حق مثلما أنها ترفض حالياً الاعتراف بأن شيراك على حق في الموقف الذي اتخذه من الحرب على العراق. كما في فيتنام كذلك في العراق تكمن المشكلة في أن الولايات المتحدة لم تستطع السيطرة على الأرض واتكلت على القوات المحلية لحفظ الأمن وحماية ظهرها. لكن القوات المحلية على الرغم من التغييرات المستمرة في سايغون، لم تستطع في أي وقت تنفيذ المطلوب منها وإذا كان يمكن تفسير ذلك في فيتنام بالدعم الذي كان يلقاه الثوار من فيتنام الشمالية والمعسكر الاشتراكي عموماً، فان صعوبات الوضع العراقي لا تعود إلى الدعم الخارجي الذي يلقاه حملة السلاح في هذا البلد بمقدار ما تعود إلى غياب الأجندة الأميركية لمرحلة ما بعد الحرب وإسقاط النظام. ولأن كوفي أنان بات يدرك ذلك، لم يجد أفضل من القول ان الحرب لم تكن شرعية نظراً إلى أنها مخالفة لميثاق الأمم المتحدة.
صارت الحرب واقعاً، كذلك نتائجها، وأياً تكن الخسائر التي ستلحق بالأميركيين، يبدو مأزقهم في العراق مزدوجاً في غياب القدرة على تشكيل سلطة قوية تستطيع السيطرة على البلد من جهة وعدم قدرتهم على الانسحاب من جهة أخرى. انهم غير قادرين على الانسحاب لسبب في غاية البساطة هو أن العراق بلد نفطي في قلب منطقة نفطية تشكل الشريان الحيوي للعالم الصناعي من اليابان إلى الصين، إلى كوريا إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا... فإذا انسحبوا لمن ستكون السيطرة على النفط العراقي وغير العراقي.
لا يزال المشهد العراقي في بدايته، وسيظهر على الشاشات كثيرون وسيغيب كثيرون مثلما ظهر أحمد الجلبي ثم غاب وقد يظهر مجدداً أو لا يظهر. الشيء الوحيد الأكيد أن أعجوبة فقط يمكن أن تؤدي إلى تفادي الحرب الأهلية التي باتت تسمح للميليشيات بممارسة القتل والخطف والسرقة في الأحياء الراقية من بغداد. وربما كانت الرسالة التي أراد كوفي أنان توجيهها في غاية البساطة وهي أن ليس أمام الأمم المتحدة سوى أن تنفض يدها من الحرب العراقية، وهي قادرة على ذلك اليوم بعدما كانت عاجزة عنه في الماضي القريب. صارت قادرة على ذلك لأن الحرب الأهلية أطلت برأسها من الباب الواسع.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00