جولة محادثات جديدة يجريها الموفد الأميركي توماس باراك في بيروت الثلاثاء المقبل، ينقل فيها إلى المسؤولين اللبنانيين الجواب الإسرائيلي على الورقة الأميركية التي تضمنت ملاحظات لبنانية للسير بمبدأ «خطوة مقابل خطوة». جولة يتوقع ألا تكون حاسمة، وإن كان الظاهر منها ان الرد الإسرائيلي لا يعطي خطوة مقابلة بقدر ما يفسر بـ«دعسة ناقصة»، لجهة الحديث عن تكريس منطقة حدودية عازلة، تحت مسميات عدة، منها تحويل المنطقة المعنية إلى منطقة اقتصادية تضم مصانع حكومية وغير مملوكة من قبل أفراد، إضافة إلى ما تردد بقوة عن شروط إسرائيلية تطول عددا من البلدات الحدودية لجهة إخلائها من السكان.
وفي هذا السياق، تحدث مصدر سياسي لـ «الأنباء» عن أن «إسرائيل تقارب الأمور بمنطق الرابح في الحرب الأخيرة». وأقر بـ «قساوة الشروط الإسرائيلية على لبنان، وأن القيادة السياسية الحالية لا تملك الكثير من الأوراق للتفاوض من خلالها، ذلك ان البلاد ترزح تحت أعباء اقتصادية وانهيار مالي وانعدام في خدمات حيوية كالكهرباء والمياه وغيرهما، فضلا عن إعادة إعمار مطلوبة في غياب الأموال والدعم الخارجي المشروط بحصرية السلاح وسيادة الدولة اللبنانية على أراضيها كاملة».
وبين السندان الإسرائيلي الذي يلقى تفهما أميركيا ودوليا، ومطرقة رفض «الثنائي الشيعي» النقاش في ملف تسليم السلاح في ظل الوضع الضاغط حاليا، تحاول السلطة السياسية اللبنانية متمثلة برئاستي الجمهورية والحكومة، فتح كوة داخلية تؤدي إلى انفراج خارجي ولو بشكل جزئي، وحتى في أضيق الحدود لجهة الإفراج الدولي عن مساعدات مالية وغيرها. ولعل أبرز ما حمله اتفاق وقف إطلاق النار، إعادة تشكيل سلطة سياسية في البلاد بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بصلاحيات كاملة خارج نطاق تصريف الأعمال، ومحاولة إطلاق عجلة الدولة وتكريس حضورها، من بوابة حصرية السلاح وامتلاك قرار السلم والحرب. وفي هذا السياق، تسعى رئاسة الجمهورية إلى فتح قنوات اتصال واسعة مع المكون الشيعي المعني بملف السلاح، بالتواصل المباشر مع الرئيس نبيه بري ومع قيادة «حزب الله»، توازيا مع إمساك الأمن في الداخل، تأمينا للموسم السياحي، وتعزيزا لمنطق الدولة. وتسجل هنا الجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية كلها، في ظل أوضاع معيشية تغيب عنها مقومات الحد الأدنى المقبول لأفراد هذه الأجهزة.
وقال مصدر نيابي لـ «الأنباء»: «لا يمكن الركون إلى إسرائيل بطبيعتها العدوانية. غير أن التوجه الأميركي بإحداث خرق في موضوع الحدود والانسحاب، وبدعم وإجماع من اللجنة الخماسية الدولية (السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا) يساعد في فرض خطوات مقابلة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو حول الانسحاب الإسرائيلي من المواقع المحتلة ولو بشكل جزئي، بحيث يكون استكماله مرتبطا باتفاق شامل حول القضايا الموضوعة على طاولة البحث والنقاش، ومنها وقف العدوان، مع الاتجاه إلى تخفيف الغارات الإسرائيلية خلال الأيام المقبلة وضمن فترة زمنية محددة، في إطار تنفيذ البنود التي تنص عليها الورقة الأميركية».
وأشارت مصادر أخرى «إلى أن حركة الاتصالات الأميركية المقبلة، ستسهم في إيضاح الصورة أكثر، والتأكيد على ثبات الموقف اللبناني لجهة الحل، ما يزيد الدعم من المفاوض الأميركي الذي يتبنى الموقف اللبناني في مواجهة المراوغة والسلبية المعتمدتين من قبل إسرائيل منذ وقف إطلاق النار قبل تسعة أشهر».
وأضافت المصادر: «الاهتمام الأميركي من خلال تعدد الوفود وحجمها غير المسبوق إلى لبنان أو إلى أي بلد إقليمي آخر، عزز الاعتقاد أن الأمور تتجه نحو تكريس حل يضع حدا لفترة المراوحة والسجال وعدم الاستقرار اللبناني على مدى عقود، وما تخللها من حروب تعيد البلاد إلى نقطة الصفر، إضافة إلى ما تحصده من ضحايا ودمار».
على صعيد آخر، تتكثف الاتصالات حول التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» خلال الساعات المقبلة، وسط إجماع دولي وتراجع الرفض الأميركي مع التأكيد على الحاجة الملحة لهذه القوات خصوصا خلال الأشهر المقبلة، والتي تتطلب تنسيقا في ظل المسعى الدولي لإنجاز الانسحاب الإسرائيلي وانتشار الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية بالتعاون مع قوات «اليونيفيل»، في إطار تنفيذ بنود الورقة الأميركية.
رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل قال في عشاء حزبي خاص بمنطقة الزهراني أقيم في بلدة مغدوشة بحضور الرئيس العماد ميشال عون: «ندرك أهمية الجنوب للبنان، وندرك أهمية الوجود المسيحي في الجنوب وليس فقط في لبنان بل في جنوب لبنان المقاوم والصامد الذي ضحى عن جميع اللبنانيين». ولفت إلى أنه «عندما يسقط الجنوب تسقط بيروت العاصمة، وعندما تسقط بيروت يسقط الجبل».
وجدد موقفه المؤيد لاقتراع المغتربين لستة نواب يشكلون «نواب الدائرة الاغترابية» بالقول: «استطعنا ان نقر قانونا يؤمن صحة تمثيل بالحد الأدنى ليطول الانتشار اللبناني، وليكون للمنتشرين الخيار اما بالتصويت لنواب في دوائرهم أو لنواب في البلد الذي يعيشون فيه، وهذا يصحح التمثيل بالداخل والخارج».
وأيد موقف البطريرك بشارة الراعي الداعي إلى السلام في المنطقة، بالقول: «نريد ان نعيش بسلام مع أهلنا وشركائنا بالوطن ومع محيطنا».
وتناول موضوع حصرية السلاح بالقول: «نريد جيشا واحدا وسلاحا واحدا، ونريد حصرية السلاح وان يدرك (حزب الله) وكل من يحمل السلاح أن الظروف تغيرت والدفاع عن لبنان له متطلبات أخرى..». وتطرق إلى موضوع نزع السلاح الفلسطيني من مخيم برج البراجنة، وتساءل: «على من تضحكون؟ أهكذا تريدون تسلم السلاح الفلسطيني؟».
وختم قائلا: «نحن معكم لتسليم السلاح وليس للقيام بمسرحيات. ونحن معكم لتكليف الجيش بمهمة يستطيع فعليا القيام بها وتؤمنون بالسياسة لها ظروف النجاح، وليس إرساله إلى الهاوية ليفشل لأنكم أخذتم قرارا. نريده ان ينجح، ولكن الكارثة أن تأخذوا قرارا وتنفذوه بطريقة تؤدي إلى وقوع حرب أو لا تنفذوه وتفقدوا هيبة الدولة من جديد، لأنه حصل بطريقة كنتم فيها مأمورين عوضا عن أن تكونوا مبادرين».
وفي يوميات الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، لفت استعمال الجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة صواريخ أرض - أرض لضرب أهداف في القرى الحدودية في الحافتين الخلفية والأمامية، آخرها في بلدة دير كيفا في قضاء صور مساء الجمعة.