عكست تصريحات الموفد الأميركي توم برَّاك في بيروت أجواء إيجابية، بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين، مثنياً على قرار الحكومة الأخير المرتبط بتنفيذ حصرية السلاح قبل نهاية العام، وواصفاً إياه بـ«الإنجاز».
وبينما أكد أنه «ليس لدينا اتفاقية جديدة، وليس هدفنا خلق اتفاقية جديدة»، تحدث عن مقاربة «الخطوة مقابل خطوة»، رامياً الكرة الآن في ملعب تل أبيب، بعدما كان قد أعلن صراحة في زيارته السابقة لبيروت، أنهم لا يمكنهم الضغط على إسرائيل لتنفيذ الشروط.
تصريحات برَّاك جاءت خلال جولته، الاثنين، على المسؤولين اللبنانيين، ترافقه مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، وليزا جونسون، السفيرة الأميركية في بيروت.
عون: حماية لبنان
رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون أكد للموفد الأميركي، خلال استقباله في بعبدا، أنه بعد الموقف اللبناني المعلن حيال الورقة التي تم الاتفاق عليها، فإن «المطلوب الآن من الأطراف الأخرى الالتزام بمضمون ورقة الإعلان المشتركة، كما أن المطلوب المزيد من الدعم للجيش اللبناني، وتسريع الخطوات المطلوبة دولياً لإطلاق ورشة إعادة الإعمار في المناطق التي استهدفتها الاعتداءات الإسرائيلية».
وكان الموفد الأميركي قد استهل اللقاء بتهنئة الرئيس عون على الإنجاز الذي حققته الحكومة اللبنانية، حسب البيان الرئاسي، فشكره الرئيس عون معتبراً أن موقف الحكومة اللبنانية تعبير عن إيمان المسؤولين اللبنانيين بما يخدم مصلحة لبنان وجميع مواطنيه؛ لأن الهدف هو حماية لبنان.
ووصفت مصادر مرافقة للقاءات برَّاك أجواء الزيارة بـ«الإيجابية»، متحدثة عن «تفاؤل حذر» بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة من خطوات عملية على الأرض.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «الأجواء أفضل بكثير مما كانت عليه في الزيارات السابقة؛ حيث نقل المبعوث الأميركي الارتياح الأميركي لقرار الحكومة، وتكليف الجيش بوضع خطة لحصرية السلاح قبل نهاية الشهر الحالي»، مشيرة إلى أن برَّاك أكد أنه سيزور تل أبيب، وسيتواصل مع المسؤولين في إسرائيل، لتنفيذ مقاربة «خطوة مقابل خطوة، وهو ما يعكس أجواءً تفاؤلية في إمكانية وقف الاعتداءات على الأقل في المرحلة الأولى».
في المقابل، كان تأكيد من الرئيس عون -حسب المصادر- على أن «لبنان قام كمرحلة أولى بما هو مطلوب منه، في وقت تستمر فيه الانتهاكات الإسرائيلية من دون أن يتم حتى الردّ عليها، وبالتالي الكرة اليوم في ملعب الأطراف الأخرى».
برَّاك: الازدهار والسلام أصبحا قريبين
وصف برَّاك لقاءه برئيس الجمهورية بـ«الممتاز»، متحدثاً عن «خطوات كبيرة تحققت إلى الأمام»، وأن «الازدهار والسلام أصبحا قريبين».
وقال بعد اللقاء: «أعتقد أننا في الأسابيع المقبلة سنرى تقدماً في نواحٍ كثيرة. التق
دم هو حياة أفضل للجميع، للشعب وللجيران، وعلى الأقل بداية خريطة طريق لنوع مختلف من الحوار مع جميع جيراننا».
وفي رد على سؤال حول الانسحاب الإسرائيلي أو إيقاف انتهاك الاتفاقية، أجاب برَّاك: «هذه هي بالتحديد الخطوة المقبلة، وهي تتمثل في الحاجة للمشاركة من الجهة الإسرائيلية، كما نحتاج إلى خطة اقتصادية للازدهار والترميم والتجديد لكل المناطق وليس للجنوب فقط».
بانتظار الخطوة الإسرائيلية
وعما إذا كانت هناك مقاربة كاملة بعد الخطوة اللبنانية، وماذا إذا رفض «حزب الله» التنفيذ، أجاب: «نعم هناك دائماً مقاربة خطوة مقابل خطوة. وأعتقد أن الحكومة اللبنانية قد قامت بدورها، وقامت بالخطوة الأولى، والآن على إسرائيل أن تبادل ذلك بخطوة مقابلة أيضاً».
واعتبر أن «حزب الله» إذا رفض التنفيذ، فسيكون قد فقد فرصة، مضيفاً: «ولكنني أعتقد أن الأمر هو سياق عملي. وعندما نتحدث عن التنفيذ ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أننا نبدأ مباحثات طويلة، و(حزب الله) جزء من الطائفة الشيعية، ويجب أن يعلموا ما هو الخيار الأفضل من الخيار الموجود».
«إيران جارتنا»
وفي إشارة إلى إعادة الإعمار، قال: «مجدداً تبرز أسس كيفية بناء الازدهار، فلا يمكن أن تأخذ شيئاً ولا تعطي شيئاً في المقابل. إذن الخطوات التالية لذلك هي بالتأكيد العمل مع الحكومة لنشرح ماذا يعني ذلك، وماذا يعني ذلك للجنوب، وكيف يمكن استعادة الازدهار. من سيمول ذلك، من سيشارك، وما هو التسلسل خطوة خطوة، وكيف نجعل إسرائيل تتعاون، وكيف نجعل إيران تتعاون. في نهاية المطاف إيران ما زالت جارتنا، إذن على الجميع أن يكون له دور في ذلك، وأن يكون هناك تعاون وليس عدائية أو مواجهة. وأعتقد أن ذلك يأتي خطوة خطوة، ولكن الخطوة الكبيرة كانت ما قام به فريق رئيس الجمهورية والحكومة، في إعطائنا فرصة لكي نساعد، ولكي تساعد أميركا على هذا الانتقال والوصول إلى علاقة أكثر هدوءاً مع الجيران».
لا تهديدات... والتعاون مع «حزب الله» عملية لبنانية
وفي رد على سؤال حول كيف سيتم التعامل مع «حزب الله» إذا رفض نزع السلاح، وإذا لم تتمكن الدولة اللبنانية من تنفيذ ذلك، أكد الموفد الأميركي: «لا توجد أي تهديدات. في هذه المرحلة من الوقت الجميع متعاون، بينما التعامل مع (حزب الله) وكما قلنا دوماً هو عملية لبنانية. ما حاولنا القيام به هو الإرشاد، أو الدلالة إلى بعض القدرات مع إسرائيل بشكل خاص، لخلق شبكة تواصل مستقرة، وذلك لمصلحة (حزب الله) والشيعة ولبنان وإسرائيل. لسنا الآن في مرحلة الإعلان عن أي تهديدات. فعندما نتحدث عن نزع السلاح، ماذا يعني ذلك، وكيف يحصل ذلك، في وقت هم ينظرون ويقولون ما الذي نربحه نحن وكيف نحمي أنفسنا. هم يقولون: لدينا قوى إقليمية تحمينا، هل سيقوم الجيش اللبناني بحمايتنا؟ وما هي المرحلة الانتقالية؟ وما هو المستقبل بالنسبة لنا؟ وما هو الازدهار بالنسبة لنا؟ هذا جزء من الازدهار، إذن لا أحد يفكر في التهديد؛ بل العكس».
استمرار الاعتداءات الإسرائيلية
وعن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، اكتفى برَّاك بالقول: «لم يكن هناك اقتراح أميركي لإسرائيل، وهم لم يرفضوا أي شيء. ما نقوم به هو البحث أولاً مع الحكومة اللبنانية، ما هو موقف الحكومة اللبنانية. ونحن في مسار بحث ذلك مع إسرائيل، وما هو الموقف الإسرائيلي. ليس هناك أي انتهاك غير تلك الانتهاكات التي استمرت منذ اتفاقية نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حول وقف الأعمال العدائية؛ حيث يلوم كل فريق الفريق الآخر. وما نحاول أن نقوم به هو حل أو تطبيق الاتفاقية التي انتُهكت. ليس لدينا اتفاقية جديدة وليس هدفنا خلق اتفاقية جديدة».
وقال برَّاك: «يجب أن تكونوا فخورين كثيراً بحكومتكم، (حزب الله) والشيعة وجميعكم. والأفكار هي نفسها. نحن أردنا فترة استراحة، ونريد حياة جديدة، ويجب أن يكون لبنان اللؤلؤة اللامعة في هذه المنطقة، وسيكون كذلك».
برَّاك بعد لقائه بري: نتحرك بالاتجاه الصحيح
ومن القصر الرئاسي انتقل برَّاك والوفد المرافق للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري؛ حيث تناول اللقاء الذي استمر أكثر من ساعة التطورات والمستجدات السياسية والميدانية في لبنان والمنطقة؛ حسب بيان رئاسة البرلمان.
ولفت البيان إلى أن بري «سأل الموفد الأميركي عن الالتزام الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار، وانسحابها من الأراضي اللبنانية إلى الحدود المعترف بها دولياً، مؤكداً أن ذلك هو مدخل الاستقرار في لبنان، وف
رصة للبدء في ورشة إعادة الإعمار، تمهيداً لعودة الأهالي إلى بلداتهم، بالإضافة إلى تأمين مقومات الدعم للجيش اللبناني».
بدوره، اكتفى الموفد الأميركي توماس برَّاك بعد اللقاء بالقول: «بحثنا وناقشنا ما يهم الجميع، كيف نصل إلى الازدهار في لبنان في الجنوب والشمال، وكافة أنحاء لبنان، ولكل اللبنانيين»، وقال: «لقائي اليوم مع رئيس البرلمان كان مع شخصية حاذقة لديه تاريخ مذهل، ونحن نتحرك في الاتجاه الصحيح».
سلام: وجوب الضغط على إسرائيل
وبعد ذلك توجه الوفد الأميركي للقاء رئيس الحكومة نواف سلام؛ حيث نوَّه بقرارات الحكومة الجديدة، بينما أكَّد رئيس الحكومة على أنَّ «القرارات الصادرة من مجلس الوزراء إنما انطلقت من المصلحة الوطنية العليا، مشدِّداً على وجوب قيام الجانب الأميركي بمسؤوليته في الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، والانسحاب من النقاط الخمس، والإفراج عن الأسرى».
كما شدّد رئيس الحكومة على أولوية دعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، مالاً وعتاداً، بما يمكِّنها من أداء المهام المطلوبة منها. وأكَّد، في السياق نفسه على أهمية التجديد لقوات «اليونيفيل» نظراً لدورها في ترسيخ الاستقرار، ومساندة الجيش في بسط سلطة الدولة في الجنوب.
ومن جهة أخرى، دعا رئيس الحكومة إلى إعلان التزام دولي واضح بعقد مؤتمر لدعم إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في لبنان.
كما تناول اللقاء المستجدات في سوريا؛ حيث شدّد رئيس الحكومة على أهمية الحفاظ على وحدتها وتعزيز الاستقرار فيها.
وبعد الظهر، عاد سلام وأكد خلال زيارته طرابلس، عاصمة الشمال: «إن قرار حصر السلاح في يد الدولة قد اتُّخذ»، وأضاف: «من دون ذلك لا أمن ولا استقرار، ومن دون أمن واستقرار لا استثمار يأتي ولا اقتصاد ينمو».
وكذلك زار الوفد الأميركي قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وبحث معه التطورات والأوضاع في المنطقة.
وكانت الحكومة اللبنانية قد كلفت قبل أسبوعين الجيش بوضع خطة لنزع سلاح «حزب الله» قبل نهاية الشهر الحالي، على أن يتم تطبيقها قبل نهاية العام، في خطوة أكد «حزب الله» رفضها بالمطلق. ووافقت الحكومة كذلك على أهداف وردت في ورقة أميركية، كان برَّاك قد حملها إلى المسؤولين في وقت سابق. وتشمل الورقة تفاصيل حول جدول وآلية نزع الترسانة العسكرية، بدءاً بوقف تحركات الحزب ونقل سلاحه على الأرض، وصولاً إلى انتشار القوات المسلحة اللبنانية على مراحل في كل مناطق سيطرته، وتعزيز مراقبة الحدود.
وتنصُّ كذلك على انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس. وتلحظ مرحلة لاحقة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وبين لبنان وسوريا، ثم مرحلة تثبيت كل ذلك بمسار دبلوماسي لإعادة إعمار لبنان.