أخبار لبنان

سلاح حزب الله على المحك: كيف ستتعامل الحكومة مع التحديات الداخلية والخارجية؟

تم النشر في 4 آب 2025 | 00:00

عيْن على دموعِ رئيس الحكومة نواف سلام، اليوم، عشية الذكرى الخامسة لـ «محرقة» مرفأ بيروت التي تحلّ غداً بقداسِ ومَسيريتين تحت عنوان «صَمْتنا بْيِقْتُل مرّتيْن» نحو مسرح جريمة «لم يجف دمها بعد»، وعين على الخشيةِ المتعاظمة من حربٍ جديدة تدمي «بلاد الأرز» في حال التلكؤ غداً عن وضْع قرار سحب سلاح «حزب الله» على سكة التنفيذ «بالشهر والساعة».

هكذا بدا المشهد في بيروت، حيث ارتسمتْ لوحةٌ، نِصفها مشاعر حزنٍ وغضبٍ لم يَنضبا منذ 4 أغسطس 2020 بفعل عدم تَحَقُّق العدالة حتى اليوم ومحاسبة المسؤولين عن واحدٍ من 3 أكبر انفجارات غير نووية عَرَفَها التاريخ، ونِصفها الآخَر مَخاوف من أن يَستنفذ لبنان آخِر الفرص لتَفادي أن يُترك على قارعة التاريخ الجديد الذي يُكتب للمنطقة وفيها.

ورئيس الحكومةِ التي ستَقبض غداً على «جَمر» ملف سلاح «حزب الله» وسط مساعٍ حثيثة لابتكارِ مَخْرَجٍ لا «تَحترق» هي به ولا يَمنح اسرائيل ذريعةً لـ «حرق البلد»، قال الكثير بدموعه التي انهمرتْ تَأَثُّراً بكلامِ، أمٍّ لم يندمل بعد جرحُ خسارة وحيدِها بانفجار المرفأ وذلك خلال جلسةِ حوارية ناقشتْ تداعيات «بيروتشيما» وشارَكَ فيها وزراء وسفراء وبينهم السفير السعودي وليد بخاري.

فسلام، ابنُ قوسِ المحكمة وحارس العدالة الذي ارتقى لرئاسة «العدل الدولية»، وَجَدَ نفسه بعدما لم يتمالك الدمعاتِ يؤكد ثوابتَ متوازيةً على مَساريْ:

- التحقيق الذي لم يُترجم بعد قراراً اتهامياً بانفجار المرفأ حيث أكد «زمن الصمت انتهى» والعدالةُ وإن تَأَخَّرَتْ آتيةٌ و«لا غطاء فوق رأس أي مسؤوليةٍ، ولا نهاية لهذا الجرح الوطني إلا بكشف الحقيقة ومحاسبة كل المسؤولين أياً كانوا أمام القضاء»، ومعلناً «العدالة وحدها تفتح طريق الإنصاف والمصالحة» و«لا أحد فوق المساءلة، والعدالة ليست ضد أحد، بل في مصلحة الجميع».

- بناء الدولة الحقيقية حيث انطلق من تأكيد «ان التغيير بدأ ولن يتوقف» ليؤكد «تَمَسُّكَنا بما التزمنا به في البيان الوزاري: بناء دولة قوية عادلة، سيّدة، حرّة، مستقلة، دولة لن توفّر جهداً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كل شبر من أراضينا، ولبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً، دولة يكون قرار الحرب والسلم بيدها وحدها (...) وطريقُنا الوحيد اليها استكمال مسيرة الإصلاح السياسي والمالي والإداري».

وقد أَطَلَّ سلام بهذا الكلام ضِمْناً على قضية السلاح التي تَبحثها حكومته غداً في جلسةٍ يترأسها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، فإما يُحْكَم بعدها على لبنان بالمراوحةِ في الحفرة والتوغّل نحو أعماق أكثر التهاباً، وإما يَعْبر إلى «منطقةِ أمانٍ» باتت خريطة الطريق إليها واضحة ومرسّمة بدفتر شروطٍ دولي - عربي تعبّر عنه ورقة الموفد الأميركي توماس براك في ما خصّ سحب ترسانة حزب الله العسكرية فوراً وضمن جدول زمني بمهل قصيرة ومحدّدة.

وهذا هو واقعياً ما سيتحدّد في ضوء الجلسةِ الحكومية التي ستَبحث مسألة حَصرية السلاح بيد الدولة وتحاول إرساءَ أرضيةٍ لتنفيذ التزام سحب ترسانة «حزب الله» وفق روزنامةٍ يَستعجلها الخارجُ لتَجنُّب «رزمة» تبعاتٍ متعددة البُعد، بينها أن يعود «وليمة نار» لاسرائيل، في الوقت الذي يُحاذِر لبنان الرسمي خطواتٍ يَخشى أن تكون بمثابة «وصفة مسمومة» تَستجرّ صِداماً داخلياً.

ولأن البلادَ برمّتها تقف على كفّ ما سيكون في «ثلاثاء السلاح»، تتكثف اتصالات ربع الساعة الأخير لتوفير ما أمكن من تقاطعاتٍ علّها تنجح في جَعْلِ الجلسة توفّر «بابَ طوارئ» للخروجِ من زاويةٍ حُشر فيها الجميع، هي التي ستُعقد على وهج تحذيراتٍ من أن ما بَعد 5 أغسطس قد لا يكون كما قَبْله على صعيد التعاطي الخارجي مع لبنان - الدولة، بدءاً من الموضوع الاقتصادي والمالي وربما السفر إليه، بالتوازي مع خشيةٍ من دعواتٍ من قريبين من «حزب الله» لتحركاتٍ شعبية رفْضاً لـ «إعدام المقاومة» و«انتبهوا في احتلال»، وإن تنصّل منها الحزب.

ولم يكن عابراً أمس أن يتظهّر بوضوحٍ «الصدع» الذي يتحرك فوقه ملف السلاح ويعكس الهوةَ العميقة بين ما تتوقّعه واشنطن وعواصم القرار من لبنان الرسمي، وبين ما يَرفضه «حزب الله»، ويَختصره «صراع أولويات» وتراتبياتٍ، محورُه وقف النار من اسرائيل أولاً والانسحاب من التلال الخمس وإطلاق الأسرى، ثم البحث في موضوع السلاح من ضمن حوار داخلي حول الاستراتيجية الدفاعية، كما يرتأي الحزب، أو المباشرة بنزع السلاح ومتتماته وفق جدول زمني واضح كما تصرّ واشنطن وتالياً تل ابيب.

وفي هذا الإطار، برز في شكلٍ لا لبس فيه، «اختباء» حزب الله وراء النقاط الثماني التي حدّدها عون في المذكرةِ التي رَفعها الى براك ردّاً على ملاحظات الأخير على جواب لبنان على مقترحه الأصلي حول السلاح والتي أوردها رئيس الجمهورية في تسلسلٍ من 1 الى 8 واعتبره الحزب، كما كانت أوردت «الراي» سابقاً، «تَراتُبيةً» يَلتزم بها كمدخلٍ «لأي بحث آخَر»، رغم أن المذكرةَ الجوابيةَ كانت حملتْ عنوان «التلازم والتوازي» الذي عاد الرئيس اللبناني ولمّح إليه في خطابه عشية عيد الجيش والذي أطلق فيه مسار حصر السلاح مسمياً «حزب الله» للمرة الأولى.

وتبدأ هذه النقاط كما تلاها عون من «الوقف الفوري للأعمال العدائية الاسرائيلية بما في ذلك الاغتيالات»، و«انسحاب اسرائيل خلف الحدود المعترف بها دولياً، وإطلاق الأسرى»، و«بسط سلطة الدولة اللبنانية، على كافة أراضيها، وسَحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضِمنها حزب الله، وتسليمه الى الجيش اللبناني».

وقد بَلْوَرَ نائب «حزب الله» علي فياض، هذه المقاربة بإعلانه «أن الإسرائيلي يريد أن يتصادم اللبنانيون ببعضهم البعض، ونحن حريصون على أن يتفاهم اللبنانيون مع بعضهم البعض»، مشدداً على «ضرورة أن يثبت الموقف اللبناني عند التراتبية التي وردت في كلام فخامة الرئيس، من ناحية أولوية وقف الأعمال العدائية والانسحاب من أرضنا من العدو الإسرائيلي، قبل أي بحثٍ آخر»، لافتاً إلى «أن الجانب اللبناني قد أبلغ الوسيط الأميركي بالموقف اللبناني، وهو لم يتلق جواباً لغاية اللحظة (...)».

في المقابل، وصل جواب براك الرسمي و«النهائي» على ردّ لبنان وسط معلومات عن أنه سُلِّم على طريقة take it or leave it وانتهى وقتُ النقاش متضمناً بعض التعديلات على المقترح الأساسي، وتفاصيل العناوين الرئيسية، وأبرزها كما كشف موقع «المدن»:

«مراحل تسليم سلاح حزب الله، من السلاح الثقيل إلى المسيّرات، ثم السلاح الخفيف، ضمن مهلة زمنية محددة.

علاقة لبنان بسورية، مع مطالبة بالإسراع في ترسيم الحدود بين البلدين، وترسيم الحدود مع إسرائيل.

وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها في الجنوب، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين. إعادة الإعمار وسبل تحقيق الازدهار الاقتصادي في لبنان».

وبحسب الموقع، فإن «الأميركيين أجروا تعديلات جعلت النص غير قابل للنقاش، فإما يوافق عليه لبنان كما هو أو يرفضه ويتحمّل العواقب»، ومن أبرز التعديلات «اعتماد مصطلحات دقيقة، مثل استبدال«الحدود المعترف بها دولياً»بـ«الحدود الدولية»، إلى جانب إعادة ترتيب الأولويات، كما حُذف مقطع عن حصة لبنان من مياه الوزاني، ورُبط الحديث عن مزارع شبعا بترسيم الحدود في المرحلة الرابعة.

وبإزاء تسليمِ براك هذه الورقة عشية جلسة الحكومة، وسط تقارير عن أن«الرئاسة اللبنانية أبلغت حزب الله أن ليس أمامه إلا التعاون مع الدولة»(كما أوردت قناة«العربية»)، تبدو الحكومةُ في جلستها غداً أمام محكّ حقيقي، وسط خشيةٍ من أن «لا يمرّ» خارجياً الخيارُ المرجّح برفْعِ أمرِ وضْعِ جدولٍ زمني لسحْب السلاحِ إلى المجلس الأعلى للدفاع ما لم يترافق ذلك أقلّه مع تحديد مجلس الوزراء الإطارَ الزمني«بدايةً وانتهاءً»، رغم اعتبار أوساط سياسية أن مجرّد صدور قرار بحصر السلاح عن الحكومة سيعني في ذاته سحبَ الشرعية عن سلاح حزب الله ليتحوّل مجرد«ميليشيا».

وحذّرت الأوساط من تضييع لبنان الفرصة الأخيرة غداً للنفاذ من منطقة الخطر الأعلى عبر الركون إلى أنصاف حلول يحاول الثنائي الشيعي خصوصاً حزب الله جرّ الجميع إليها عبر لعبة التراتبية والاحتماء بما يقول إنه سقف خطاب القسَم والبيان الوزاري في محاولةٍ للالتفاف على أي قرار بحصر السلاح، حيث«يأخذ»الحزب من هذين النصين التزام الحكومة«باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، بقواها الذاتيّة حصراً (...) وتؤكّد حقّ لبنان في الدفاع عن النفس بحال حصول أي اعتداء، وفق ميثاق الأمم المتحدة»و«(...) والدفاع عن لبنان يستدعي إقرار استراتيجيّة أمن وطني على المستويات العسكرية والدبلوماسيّة والاقتصاديّة».

المصدر - الراي الكويتية