ثقافة

زياد أدهشنا وأضحكنا وأبكانا وطيّب خاطرنا في سنوات الجمر والنار !

تم النشر في 27 تموز 2025 | 00:00

بقلم : مأمون حمود *


لا أملك ما أرثي به زياد الرحباني،فمن أين لي أن أجيء بمثل مرثيّته للإنسان وللوطن؟من أين ٱتي بتلك الضحكة العميقة الجارحة التي تنقلنا من قلب اليوميّ والعاديّ والسخيف والتافه والمبتذل ،تنقلنا إلى الدهشة.

أدهشنا زياد وأبكانا وأضحكنا وأمتعنا وأغنانا بالنظرة والرؤية والرؤيا. أطربنا رقّصنا وطيّب خاطرنا في غمرة سنوات الجمر والنار التي أضرمت من قبل ومن بعد..

رفع لغة السوق ليسوقنا إلى قول كل شيء بالنغمة والغمزة والإشارة. هبط بأنغام العلياء البعيدة ليسلّحنا بها في خيبات كلّ يوم وخيالات كل حلم.

"خايف كون عشقتك وحبّيتك..والهوى يكون رماني ببيتك " بهذه الكلمات بقصّة الحبّ الطريفة اللطيفة هذه، بمقهى "سهريّة"بدأ السهر والسفر..

"نزل السرور" أبرز نبوءات الحرب الأهليّة.وذلك الفيلم الأميركي الطويل الذي لا يزال يدور على أرضنا جميعاً، نحن إخوة الكرامة والشعب العنيد، الذين لم يصنعوا من الأسطورة اللبنانيّة سوى"شي فاشل".

من "عهدير البوسطة"الكانت ناقلتنا من صيعة حملايا لضيعة تنّورين.. بكلّّ ما فيها من حبّ وفكاهة إلى "مربى الدلال" و"بما إنّو كل شي نضيف".. وبما انًو شفناعغيفقللي كزدر مرتك فوراً وإرخي ابنك عالرصيف..بما فيها حقّاً من حبّ وعطف وإملاق وإخفاق

كم أسعفتنا يا زياد بالتحليل بكلمة أوكلمتين بقهقهات وٱهات نطلقها مبتهجين ساهمين..واجمين. نقف بعد جلسة نقاش طويلة لننطق بالقول واثقين: " قوم فوت نام وصير حلام ..إنّو بلدنا صارت بلد".

وإذا أدلى أحدنا بدلوه خاطباّ: " يا زمان الطائفيّة طائي فيّي وطائي فيك سارعنا إلى القول: " راجعة بإذن الله ..على أنحس بإذن الله.."

انا مش كافر بس الجوع كافر .. والاغنية الآن مهداة الى الزعيم الوطني علماً انه كان من المفترض ان نهديها الى اي زعيم لبناني تقليدي

أنا والله فكري هنّيك

يعني وهنّي أهلك فيك

عالنظافة بالمواقف

وعالمواقف بالسياسة

وعلى كل شي اسمه تكتيك

بهنّيك، بهنّي نفسي فيك

ما هذا يا زياد ؟! أنت في النبض والعروق، في.كلّ مواطن ورفيق ، في الزُّقاق العتيق في البيت وعلى السمع في الجمع وفي الوحدة في الحقل والحفل والنزهة والوقفة وعلى طول الطريق..لماذا فارقتنا؟ أحقّاً فارقتنا؟!

بعدنا طيبين..قول الله! بعدنا طيبين قول الله!هنا صوت الشعب وصوت الجبل وصوت لبنان..صوت كل لبنان ،أنا وهو وهي،نحن..نحن جميعاً يا رفيق نحن جميعاً ياصديق.. صديق البسمة والنغمة والفكرة والنبرةوالعبارة والإشارة.نزل السرور هون؟!

هون المطرح كلًو.. وفوق شو فوق؟! نزل السرور هون وفوق وهونيك وهون ونعم وتفضّل وامور.. كلّا فهذا النزل اثنين تحت وفوق فعلاً.تحت نار الحرب الأهليّة التي كنت لها نذيراً، وفوق..فوق كلّ جرح كلّ قبح ومع كل صبح معك بعدنا طيبيبن وسنبقى.

أيّ روح مددتنا بها يا زياد أيّ إبداع أيّ إيقاع؟! كيفك انتا؟! هل استرحت الٱن ومن تركت؟!كيفك انتا ..مللا إنتا!..لم تيأس قطعاً بخصوص الكرامة والشعب العنيد،لكنّك انسحبت قليلاً إلى زاوية عشق لم يغب لحياة من دون صخب لأفياء وظلال ألجأتنا إليها گلّما ازدادت دنيانا قسوة وليالينا عتمة..

تعي نقعد بالفي،مش لحدا هالفي،حبّيني وفكري شوي..

أيّ إيقاعات وأنغام وأحلام عدت تزوّدنا به تمزج الشرقيّ بالغربيّ والحجاز بالجاز والأحلام بالأشجان بالألوان .غادرت. من المسرح من قول الحقيقة ولو هازئة قاتلة،إلى التكتكة الرقيقة الهادئة السائلة، فلتحي فيروز وستحيا بالإخوين، بك بشغفك برهفك بما روّضته من كلام الناس لتخيط سلك التوتّر العالي المحمّل بالطاقة بالدّفء بالرفق بالإحساس..

نعم يا زياد أنا عندي حنين،حبّيتك تنسيت النوم كنتُ دوماً وكلّ من أحبّك كلّ من ألهمته وقوّمت ذوقه وزيّنت وقته وملكت قلبه وما أكثرهم فهم بالملايين ،كنت عندي ثقة فيك.ولا أزال.

عودك رنّان يا زياد ،وقدّيش كان فيه ناس عالمفرق تنطر ناس،كنّا دايماً ناطرينك ولا نزال..

فإلى أين؟ سنحمّل كلّ من يرحل لعلّه يلقاك رسالة شوق: "سلّملي عليه. معرفتي فيك أيّها البديع الحبيب، معرفتنا جميعاً تؤكّد : "إيه في أمل ..

رفيقي في حصصي الدًراسيّة أنا عندي حنين، كم ضحكنا وتأمّلنا وأملنا!.رفيقي في نزهتي في خيبتي في فرحتي في نهاراتي وفي سهراتي ،وحدي نعم بل مع أبنائي وكذا أصدقائي..لن نقول وداعاً.. لطالما كنت ترمي بسهامك في الظلام فتعود مشعّة بفلذات من نور وضياء وصفاء..

بالنسبة لبكرا شو؟!

من أتى بنبوءة الحرب وأعطى ولم يبخل ،سيُحفظ له كلّ حبّ ويبقى ولا يرحل

بلى..لولا فسحة الأمل!!!


* مربي وأديب وكاتب