مازن عبود
2015) اعتبر أنّ الصراع في سوريا هو المحفّز الأبرز للمشاعر الجهادية بعد أفغانستان. فما "يحدث هناك يُشكّل الجيل الآتي من الحركات الجهادية العالمية".
موجات الإسلام السياسي التي انطلقت مع الثورة الإيرانية تستكمل تدمير النسيج المتبقي. وترددات العنف الزلزالية للنظام السابق لا تتوقف، بل تتزايد. والأزمة تكمن في أنّ طريق بيروت وعمان وحتى باريس ولندن تمر بالرقة.
فشل التعامل مع ملف الثورة السورية يسطر مصائرنا. نعم، "ليحكم الإسلاميون" ومع حكمهم فلتستبدل التنمية بالأيدولوجيا! هم يقدمون بديلا مشوها عما يجب ان تكون عليه الدولة بعد الأسد. البروفسور فوّاز جرجس (2016) اعتبر أنّ رؤية المتطرفين للعالم أبوكاليبسية. يمدون الناس بإيدولوجيات بدل الرغد والتنمية. فالأفكار أقوى الوسائل لأنها تصنع الخطاب الذي يقنع جماعة ما بالسير حتى عكس مصالحها الاقتصادية. فالمصالح بناء اجتماعي دينامي، غير اقتصادي غالبا، ويرتكز على هوية الجماعة ورؤيتها للآخر. المصلحة غالبا فكرة (Dani Rodrik,2025). والأفكار التي تتداول هناك تجعل البشر قنابل بيولوجية.
ما يجري في سوريا لا ينتج تنمية وازدهارا بل هو نموذج أفغاني على شواطئ المتوسط الجنوبية. ليستر (2015) اعتبر الصراع السوري غير محليّ، لأنه تحوّل إلى حاضنة عالمية جهادية. السويداء ومعبر داود وصراع السرديات الأبوكاليبسية هناك كوابيس.
نتحسر على المشرق. وMansel (2010) حدده فضاء حضاريا تفاعليا لا يُختزل في الجغرافيا. اعتبره "حالة ذهنية" و"منظومة ثقافية" تقوم على التداخل والتنوع والانفتاح. وصّفه كنموذج حيّ عن الكوزموبوليتية، حيث تتلاقى الإمبراطوريات، وتتجاور اللغات، وتتعايش الأديان، وتتشابك المصالح الاقتصادية في نسيج حضاري غني ومعقّد. بالنسبة إليه مرافئنا التجارية هي فسح حضارية يتصل فيها الشرق بالغرب، والإسلام بأوروبا وفكرها الحداثي. فهو "حضارة مشتركة وتعايش عملي وتواصل ثقافي". فالتعددية اللغوية والدينية كانت رافعة للنجاح والتكامل. وإتقان لغات عدة كان جواز عبور إلى شبكات التجارة والتأثير الاجتماعي.
بقايا الكوزموبوليتية اليوم تزول بالتطهير الديني. خسارة تفكيك الفسيفساء الحضارية وتحويلها إلى فسحات نزاع وتجانس قسري لا تعوّض. تدمر المنطقة بواسطة "إيديولوجيات الطهارة". ثمة نموذج يتلاشى ودرس تاريخي يتصدع كان يمكن استلهامه لبناء عالم أفضل. فهل ما زال ممكنا التدخل؟ وكيف؟