كلما يتأمل منصور أبو الخير ما حوله في غزة، لا يرى الرجل الفلسطيني البالغ من العمر 45 عاما سوى الموت والدمار والجوع بعد قرابة عامين من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وعلى الرغم من أن حياة الفلسطينيين انهارت تحت وطأة الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف العنيف، يرفض أبو الخير وغيره رفضا قاطعا خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المدعومة من إسرائيل لتهجير سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وقال أبو الخير: "إحنا ليش نطلع من أرضنا، هذه أرضنا نسيبها ولوين نروح، هذه أرضنا، إحنا اتولدنا فيها وعشنا فيها وكبرنا فيها، لمين نسيبها ونطلع وإيش المغريات اللي ممكن توصلنا إلى إننا نهاجر لأي بلد تاني ونكون أغراب فيها".
وأشار ترامب، الذي استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض أمس الاثنين، إلى إحراز تقدم في مبادرة مثيرة للجدل لنقل الفلسطينيين إلى خارج القطاع الساحلي.
وفي حديثه إلى الصحافيين في بداية مأدبة عشاء بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، قال نتنياهو إن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان مع دول أخرى لمنح الفلسطينيين "مستقبلا أفضل"، مشيرا إلى أن سكان غزة سيتمكنون من الانتقال إلى دول مجاورة.
وفي حوار مع ترامب، قال نتنياهو: "إذا أراد الناس البقاء، فبإمكانهم البقاء. ولكن إذا أرادوا المغادرة فيجب أن يكونوا قادرين على المغادرة. لا ينبغي أن يكون سجنا. يجب أن يكون مكانا مفتوحا وأن تتاح للناس حرية الاختيار".
وأشار نتنياهو نفسه إلى أن إسرائيل تعمل مع واشنطن لإيجاد دول أخرى توافق على مثل هذه الخطة.
وقال: "نعمل مع الولايات المتحدة عن كثب لإيجاد دول تسعى إلى تحقيق ما يقولونه دائما عن رغبتهم في منح الفلسطينيين مستقبلا أفضل. أعتقد أننا نقترب من إيجاد عدة دول".
وعندما سُئلت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني عن تصريحات نتنياهو، قالت في مؤتمر صحافي في جنيف: "هذه التصريحات تثير المخاوف بشأن الترحيل القسري- فمفهوم الترحيل الطوعي في السياق الذي نشهده في غزة حاليا هو محل شك كبير".
كان ترامب قال بعد خمسة أيام من توليه الرئاسة في كانون الثاني/ يناير، إن على الأردن ومصر استقبال فلسطينيين من غزة، مضيفا أنه منفتح على أن تكون هذه خطة طويلة الأمد.
لكن سرعان ما رفضت القاهرة وعمان فكرة ترامب بتحويل غزة الفقيرة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، ورفضها كذلك الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان الذين قالوا إن الخطة تعد تطهيرا عرقيا.
وعندما سُئل هذا الأسبوع عن تهجير الفلسطينيين، قال ترامب إن الدول المحيطة بإسرائيل تقدم المساعدة.
وتابع قائلا: "حظينا بتعاون كبير من ... دول مجاورة... لذلك سيحدث شيء جيد".
واستيقظ سعيد، وهو فلسطيني من غزة عمره 27 عاما، غاضبا لدى سماع الأخبار حول ترويج ترامب ونتنياهو لفكرة التهجير مرة أخرى.
فحتى بعد أكثر من 20 شهرا من الحرب التي سوت خلالها إسرائيل مناطق كثيرة من غزة بالأرض إضافة إلى النزوح الداخلي المتكرر، لا يزال قلب سعيد متعلقا بشدة بغزة.
ذلك القطاع الصغير المكتظ بالسكان هو نفسه موطن لأجيال من اللاجئين بداية من حرب 1948 التي أدت إلى إعلان دولة إسرائيل.
ويقول سعيد: "نرفض هذا المخطط، نرفض إنه نطلع من أرضنا. يبقى لنا حق يكون عندنا حرية في التنقل ونطلع للبلدان التانية لكن عملية تهجيرنا ونزعنا من أرضنا هذه مخططات نرفضها إحنا كفلسطينيين".
ويسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وغزة والقدس الشرقية من خلال عملية سلام بوساطة أميركية.
الخوف من تكرار "النكبة
يتهم كثير من الفلسطينيين إسرائيل بتقويض فرص إقامة دولتهم بشكل ممنهج من خلال التوسع في بناء المستوطنات بالضفة الغربية وتسوية أجزاء كبيرة من غزة بالأرض خلال الحرب الحالية.
وترفض إسرائيل هذا الاتهام وتقول إن حملتها العسكرية لا تستهدف سوى القضاء على المسلحين الفلسطينيين الذين تقول إنهم يشكلون تهديدا وجوديا لها. وتقول أيضا إن لها جذورا تاريخية وتوراتية في الضفة الغربية.
ويعد التهجير من أكثر القضايا المؤلمة بالنسبة للفلسطينيين الذين يخشون من تكرار "نكبة" عام 1948 عندما طرد مئات الآلاف من منازلهم في حرب 1948.
والنكبة واحدة من التجارب التي ساعدت على مدى أكثر من 75 عاما في تشكيل هوية الفلسطينيين الوطنية وألقت بظلالها على العلاقات مع إسرائيل في عقود الصراع التي تلت ذلك.
واندلعت أحدث حرب في الصراع عندما هاجمت حماس جنوب إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مما أدى إلى مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة، وفقا للإحصاءات الإسرائيلية. ولا يزال نحو 50 رهينة في غزة، ويُعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة.
وقتل الهجوم الإسرائيلي اللاحق على القطاع الفلسطيني ما يربو على 57 ألف فلسطيني، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
ووفقا لنتائج توصل إليها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، يبحث بعض الفلسطينيين عن مخرج مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية التي لا هوادة فيها ومعاناتهم من نقص حاد في الغذاء والوقود والدواء والماء.
وقال المركز البحثي في تقرير صدر في أيار/ مايو إن "نصف سكان غزة تقريبا يريدون مغادرة قطاع غزة إذا استطاعوا".
وذكر اقتراح اطلعت عليه رويترز، ويحمل اسم جماعة إغاثة مثيرة للجدل مدعومة من الولايات المتحدة، خطة لبناء مخيمات واسعة النطاق تسمى "مناطق انتقال إنسانية" داخل غزة - وربما خارجها - لإيواء السكان الفلسطينيين.
وأشار الاقتراح إلى رؤية "تغيير سيطرة حماس على السكان في غزة".
وقال الفلسطيني أبو سمير الفقعاوي: "مش هطلع من غزة. لا أنا باق في بلدي هذه، هذا وطني".
وأضاف: "ولادنا شهداء مدفونين هنا، أهالينا، أصحابنا، جيراننا، ولاد عمنا، كلنا مدفونين هنا. نسيب بلدنا لمين... لا هم اللي يروحوا مش إحنا، إحنا صامدين... إحنا هنا باقيين على هذه الأرض غصبا عنهم جميعا، غصبا عن ترامب وغصبا عن نتنياهو وغصبا عن أي واحد، وقاعدين في هذه الأرض".