أخبار لبنان

دريان من قصر الشعب: لعلاقات من نوع جديد... وأملنا بما احتواه البيان الوزاري والقسم الرئاسي

تم النشر في 5 تموز 2025 | 00:00

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان كلمة بعد لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، في قصر الشعب، قال فيها:

يقولُ المَولَى عزَّ وجلَّ في كتابِهِ العزيز: ﴿إنَّما المؤمنون إخوة﴾ .

أَتَينَا إلى زِيَارَتِكُمُ اليومَ يا سِيَادَةَ الرئيسِ لِلتَّهْنِئَة، بعدَ طُولِ غِيابٍ وَغُربَة. لقد غَيَّبُونَا كَمَا غَيَّبُوا وَغَرَّبُوا عَشَرَةَ مَلايِينَ مِنَ الشَّعبِ السُّورِيّ، وعِندَمَا نَأْتِي إِليكُمُ اليوم، لِكَي نَتَشَارَكَ في إِصلاحِ الحَاضِر، وَصُنعِ المُستَقبَلِ الزَّاهِر.

سِيَادَةَ الرَّئيس:

سوريا العربيةُ الشقيقةُ الحَبِيبة، مُقبِلَةٌ على انْتِخَابَاتٍ حُرَّةٍ بِقِيَادَتِكُم، اِفتَقَدَتْهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ عاماً. فَأَمَلُ الحَاضِرِ اسْتِعَادَةُ مَعنَى الدَّولَةِ وَمُمَارَسَاتِهَا. أمَّا أَمَلُ المُستَقْبَلِ القَرِيب، فَأَنْ تَعُودَ سوريا القويةُ قِبلَةً لِلعَرَب، وَرُكْناً في النَّهْضَةِ الجديدة، التي تَبْزُغُ أَنوارُها مُتَغَلِّبَةً على كُلِّ العَوَائقِ وَالعَقَبَات. أَرَادُوا بِالمَذَابِحِ وَالتَّهْجِيرِ كَسْرَ إِرادَةِ الشَّعبِ السُّورِيّ، فَصَمَدْتُم، وَقَاوَمْتُم، وَانْتَصَرْتُمْ بِالشَّجَاعَةِ وَالمَسؤُولِيَّة، وَهَا أَنْتُمْ تَنْصَرِفُونَ لِصُنْعِ الجَدِيدِ وَالمُتَقَدِّمِ لِدِمَشقَ وَلِلشَّامِ وَلِلعَرَبِ إِنْ شَاءَ الله.

نحن نُقَدِّرُ بِإقْدَامِكُم على إِزالَةِ المُشكِلاتِ التي تُفَكِّكُونَها بِالصَّبرِ وَالحِكْمَة، ونحن نَعلَمُ أَنَّ الطَّرِيقَ شَاقٌّ وَعَسِير، لِكَثْرَةِ مَا زَرَعُوا فيه مِنْ أَلْغَام، وَمَا اصْطَنَعُوا مِنْ سُجُونٍ قَاتِمَة، وَأَنتَجُوا مِنْ مُخَدِّرَاتٍ وَمَقَابِرَ جَمَاعِيَّة. ثُمَّ إِنَّ هذا التَّآمُرَ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِسُقُوطِهِم، وَأَكبَرُ دَلِيلٍ على ذلك، تَفْجِيرُ الكَنِيسَةِ بِدِمَشْق.

السُّورِيُّ لن يَغْلِبَهُ التَّطَرُّف، وَلنْ يَفُتَّ مِنْ عَضُدِه الإِرهَاب. كُنَّا في لبنان - ونحن مُبْتَلَونَ بِالطَّائفِيَّةِ وَالعَصَبِيَّات - نَضرِبُ المَثَلَ بِتَمَاسُكِ الشَّعبِ السُّورِيّ، وّأّجوّاءِ الشَّامِ الرُّحْبَة، وها أَنْتُم تَستَعِيدُونَ هذا المِيرَاثَ العَرِيقَ لِلمَدَنِيَّةِ العَرَبِيَّة، والحَضَارَةِ الإِسلامِيَّة، لِتَعُودَ سُوريا مَثلاً وَقُدوَة، وَحَاضِنَةً وَحَامِيَةً لِمَعَانِي النُّبْلِ والمُرُوءَة، وَالوَطَنِيَّةِ وَالخَيرِ العَامّ.

رُغمَ كَوَارِثِ التَّهجِير، فَإِنَّ السُّورِيِّينَ الذين انْتَشَرُوا في جِهَاتِ الأَرض، صَنَعُوا إِضَافَاتٍ في كُلِّ البُلدَانِ التي حَلُّوا فيها، شَوَاهِدَ على الأُلْفَةِ وَالإِبْدَاع، وَصُنعِ البِنَاءِ الحَضَرِيِّ وَالحَضَارِيّ، وَمَا دَامَ الاسْتِقرَارُ قَد تَوَافَرَ لَهُمْ في عَهْدِكُمْ، فَنَحنُ وَاثِقُونَ أَنَّهُمْ سَيَتَمَكَّنُونَ في فَترَةٍ قَصِيرَةٍ إِنْ شَاءَ الله، مِنْ إِعَادَةِ إِعمَارِ بِلادِهِمْ وَإِعزَازِهَا.

سِيَادَةَ الرَّئيس:

أَتَينَا إِليكُمْ كَمَا يَأْتِي الشَّقِيقُ إِلى شَقِيقِه، فالدَّمُ لا يَصِيرُ مَاءً على طُولِ المُدَّة، وَقَدْ جَاءَ في الأَثَر: (زُرْ غِبّاً تَزْدَدْ حُبّاً). لَنْ نَغِيبَ بَعدَ الآنَ مَهمَا كَانَتِ الصُّعُوبَات، وَسَنَقْصِدُكُمْ في كُلِّ مُلِمَّةٍ بَلْ وَفَرحَة، شَأْنُ الشَّقِيقِ مَعَ شَقِيقِه.

في بَلَدِنَا لُبنَانُ اليَومَ عَهدٌ جَدِيد، وَحُكُومَةٌ وَاعِدَة، آمَالُ اللبنانِيِّينَ مُعَلَّقَةٌ على مَا احْتَوَاهُ البَيَانُ الوَزَارِيّ، وَالقَسَمُ الرِّئاسِيّ، اللذانِ هُمَا بِدَايَةُ الطَّرِيقِ لِإعَادَةِ بِنَاءِ الدَّولَةِ القِوِيَّةِ وَالعَادِلَة، السَّاعِيَةِ لِخِدْمَةِ اللبنانِيِّينَ جَمِيعَاً، وَنُهُوضُ لبنانَ لا يَقُومُ إلا بِجُهُودِ خِيرَةِ أَبنَائِهِ المُخلِصِينَ بِجَنَاحَيْه المُقِيمِ وَالمُغْتَرِب، وَوُقُوفِ أَشِقَّائِهِ العَرَبِ وَأَصدِقَائِهِ إِلى جَانِبِه، ولا خَلَاصَ لَهُ إِلا بِالتَّعَاوُنِ الصَّادِقِ وَالبَنَّاءِ مَعَ عُمْقِهِ العَرَبِيّ، الذي هُوَ الضَّمَانَةُ لِأَمْنِ لُبنانَ وَاسْتِقْرَارِهِ وَسِيَادَتِه، وَوَحْدَتِهِ الوَطَنِيَّة، وَعُرُوبَتِهِ الحَضَارِيَّة، المُؤْمِنَةِ الْتِزَامَاً بِوَثِيقَةِ اتِّفَاقِ الطَّائف، الذي رَعَتْهُ الْمَمْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السُّعُودِيَّة، وَمَا زَالَتْ تُوَاكِبُ لُبنانَ وَشَعْبَهُ وَمُؤَسَّسَاتِهِ بِعِنَايَةٍ مُخْلِصَة، اِنطِلاقاً مِنْ حِرْصِهَا على كُلِّ القَضَايَا العَرَبِيَّةِ وَالإِسْلامِيَّةِ العادلة.

لقد عَانَينَا كَمَا عَانَيتُمْ، وَبِخَاصَّةٍ في بَيرُوتَ وَشَمَالِيَّ لُبنان، فَالْأَمَلُ فيكم، وَأَنْتُمْ مَعْرُوفُونَ بِالحِكْمَةِ وَالصَّبْرِ وَالْحَزْم، لِمَا فيه مَصلَحَةُ سُوريا وَكُلِّ القَضَايَا العَرَبِيَّةِ وَالإِسْلامِيَّة، وَالتَّفَهُّمُ أَنْ تَسْتَجِدَّ عَلاقَاتٌ بَينَ البَلَدَينِ الشَّقِيقَينِ مِنْ نَوعٍ جديد، يَقُومُ على الشَّرَاكَةِ وَالتَّكَامُل، وَعَلى مُوَاجَهَةِ الأَعْبَاء، وَصُنْعِ الصَّدَاقَاتِ مَعَاً، وَتَوطِيدِ العَلاقَاتِ الأَخَوِيَّة.

في هذه الشُّهُورِ القَلِيلَة، اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَضَعُوا سُوريا في مَوَاقِعَ مِنَ العَرَبِ وَالدَّولِيِّين، مَا عَرَفَتْهَا أَبَداً في ظِلِّ النِّظَامِ السَّابِق. وَالشَّعْبَانِ في سُوريا وَلُبنانَ مُبْدِعانِ وَمُسَالِمَان، وَالأَمَلُ أَنْ نَسْتَقِرَّ مَعاً، وَأَنْ نَبْنِيَ مَعاً، وَأَنْ نَنْسَى مَعَاً آلامَ المَاضِي الحَافِلِ بِالاسْتِيلَاءِ وَالْفَزَعِ وَالتَّوَجُّس.

سِيَادَةَ الرَّئيس:

لنا - لبنانِيِّينَ وعرباً آخَرِين - آمالٌ كِبَارٌ بِالشَّام. آمَالُ الاسْتِقْرَارِ وَالتَّنْمِيِة، والإِعْمَارِ وَالعُمْرَان، وَالِإسْهَامِ في مُستَقْبَلِ العَرَب. وآمَالُ الحُكْمِ العَادِلِ وَالرُّحْب، وَآمَالُ العَلَاقَةِ الأَخَوِيَّةِ مَعَ لُبنان، بِدُونِ حَسَاسِيَّاتٍ وَلا مُشْكِلاتٍ تَصنَعُهَا في الغَالِبِ الأَطرَافُ التي لا تُرِيدُ الخَيرَ لِلْبَلَدَين.

الشَّامُ مَلِيئَةٌ بِالرُّمُوزِ التي لا تُنْسَى. اِسْتَعَدْنَا دِمَشْقَ التي تَرَبَّى فيها كِبَارُنَا، وَيَتُوقُ إلى نَفَحَاتِهَا شَبَابُنَا. الزَّمَانُ يَتَغَيَّر، لكنَّ النُّفُوسَ لا تَتَغَيَّر. لقدْ ضَيَّعُوا علينَا الكَثِيرَ مِنْ وَهْجِ الشَّامِ وَعِزِّهَا.

سِيَادَةَ الرَّئيس:

بِقِيَادَتِكُمُ الشَّرْعِيَّة، لَنْ نَسْمَحَ بِأَيِّ فَوَاتٍ في الحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَل، نحن نَتَحَدَّثُ مَعَكُمْ بِالقَلْبِ وَالعَقْل. دُمْتُمْ على هذه السِّيرَةِ وَالمَسِيرَة. وَأَنَا وَزُمَلائي العُلَمَاء، نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ لِسُوريا وَلَكُمُ الأَمْنَ وَالأَمَان، وَالتَّوفِيقَ لِأَدَاءِ الأَمَانَةِ التي يَقْتَضِيهَا دِينُنَا، وَتَقْتَضِيهَا عُرُوبَتُنَا لِبُلْدَانِنَا وَأُمَّتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيب.

وَالسَّلامُ عَلیکُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

ومنح المفتي دريان للرئيس السوري احمد الشرع وسام دار الفتوى المذهب لمواقفه الإسلامية والعربية ولجهوده وعطاءاته وتضحياته في خدمة سورية.

إشارة إلى ان زيارة المفتي دريان الى دمشق هي الأولى منذ توليه سدة الإفتاء منذ العام 2014، ومنح وسام دار الفتوى المذهب الأول كان لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون في رمضان، واليوم الوسام الثاني لرئيس الجمهورية العربية السورية احمد الشرع.