مازن عبود
انطونيو غرامشي (1929)، طوّر مفهوم الهيمنة الثقافية. اعتبر بانّ البنية المؤسسية للمجتمعات تستمر ليس فقط بفعل السيطرة الاقتصادية والقوة، بل أيضا بالهيمنة الأيديولوجية والثقافية عبر السيطرة على الأفكار والمعتقدات والقيم، مما يجعل أي نظام طبيعيًا، حتميًا، ومفيدًا. الخوف في اميركا من الاهتراء الغربي اوقد الترامبية. فالنخب عملت على هدم البنى المؤسسية للمجتمع التي تعزز الطاعة والهرمية الاجتماعية. استخدمت الإعلام لإزالة ضوابط ووضع قواعد أخرى. حاولت تقويض الثقافة والهوية الامريكيتين اللتان تصنعان المعتقدات السياسية. فكان ان انتفض النظام القديم فوصل ترامب. نتائج الانتخابات اعتراض على الأيديولوجيا النيوليبرالية. ما جرى في البيت الأبيض مؤخرا حلقة متلفزة لصراع بين المحافظين والنيو ليبرالية. الليبرالية المفرطة في التحرر بشخص زيلينسكي "الكول" هنداما وطبعا في مواجهة الانكلوسكسونية المحافظة المقيمة في البيت الأبيض التي تأثرت بأفكار تاكر كارلسون. أفكار انتقلت من الفوكس نيوز الى أروقة القرار. كارلسون شخصية غير ارثوذكسية نجحت في ربط المسيحية الأرثوذكسية التقليدية بالتيار المحافظ الأمريكي في مناهضة العولمة (الناتو...) وفي احياء القومية، والقيم التقليدية المرتكزة على الاسرة والأخلاق في مواجهة "الانحلال الغربي الأخلاقي". فروسيا ليست الخصم بالنسبة الى الترامبية بل الحليف الأخلاقي والاستراتيجي في مقاومة الانحلال وتيار هدم البنية العلوية (الاجتماعية) للتحكم بالبنى التحتية للاقتصاد. فأميركا المبنية على مجتمعات محافظة رفضت بشخص الرئيس ترامب استدراج الديمقراطيين لروسيا الأنموذج التقليدي للمسيحية الى حرب لإنهائها. ما جرى كان اعتداء على حدود دولة حصل كنتيجة لسعي بضم أوكرانيا للناتو. فالحرب الدائرة في اوكرانيا امريكية داخلية أيضا لكن خارج الحدود. تأثيرات الارثوذكسية في السياسة يتترجم بتزايد عدد المنضمين اليها. فلطالما سأل كارلسون عن أسباب مجابهة أمريكا دولة أرثوذكسية وتغطيتها لمداهمة الاديرة واعتقال الكهنة. مؤسف ما حصل هناك فعلا! من الواضح باننا فعليا في خضم حرب ثقافية. من الضروري التصدي للاهتراء ومحاولات التحكم بالاقتصاد بتغيير البنى الفوقية. لكن يتوجب الكفاح لعدم تجريد الارثوذكسية ايضا من مضامينها الروحية وجعلها وسيلة سياسية للسيطرة. المؤسسات الدينية مطالبة بالتجرد والحكمة، فتبقى واحات راحة والا سقوطها بشكل مدو!