النهار/اوكسجين/ مازن عبّود
"لماذا تفشل الأمم، أصول القوة والازدهار والفقر" كتاب لدارون أسيموغلو وجيمس أ.روبنسون يطرح اشكالية: لماذا اصبحت بعض الدول غنية بينما بقي البعض الآخر فقيرا، ويشرح الاسباب التي تقف وراء ذلك، والتي ي السياسات والجهل. ويعتبر بانّ العوامل الاخرى ليست قدرا للدول في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والتطوّر التكنولوجي. فالمؤسسات السياسية والاقتصادية التي صنعها الناس تقف وراء النجاح الاقتصادي أو عدمه. تعدّ كوريا الشمالية من الافقر الدول، بينما الجنوبية من الأغنى، لا بسبب التركيبة او الثروات او الجغرافية، بل بسبب وجود مجتمع يحفّز ويكافئ الابتكار، ويعطي فرصا للجميع.
بنى الكاتبان نظريتهما في الاقتصاد السياسي على بحث استغرق خمسة عشر عامًا تناول الإمبراطورية الرومانية ومدن المايا وبندقية العصور الوسطى والاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية وإنجلترا وأوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا. ووجدا بانّ حسن التفاعل ما بين المؤسسات السياسية والاقتصادية يضمن النمو وانتقال الناس من الفقر الى البحبوحة.
وافاني ضيّف اجنبي، ابلغني بانّه خلال زيارته للبنان اكتشف بانّ البلد ليس بلدا بل بلدانا بثقافات تتصارع، ابتداء من النظرة الى البلد وادواره مرورا باساليب العيش وكيفية التعاطي في الشان العام وصولا الى العائلة والزواج. وعندما يحكم بلد بكل هذا التباين الثقافي بالتراضي مركزيا تكون النتيجة مؤسسات سياسية واقتصادية لا تنتج ولا تتحاور بل تحفز تقاسم الغلال الى حدود الانهيار الاقتصادي.
افخاخ الفقر التي علقنا بها ليست بالصدفة. فالازمة في لبنان بنيوية تتعلق بتركيبة تكشّفت بفعل دخول النظريات الدينية العقائدية العمل السياسي مما خلق تصدعات مخيفة وردود فعل زادت الشرخ. وبالتالي ضعّفت المؤسسسات. وما من "سوبر مان" يستطيع ان يقيمنا مهما سوّق الساسة لانفسهم. فهذا بطعم الموز وذاك بنكهة الليمون وتلك بلا طعمة.
تجابه الثقافات يعيق عمل المؤسسات الناظمة والضرورية لتفعيل التبادل والنمو. وعندما يتوقف التناغم ما بين الاقتصاد والسياسة، تتحوّل البيئة من محفزة للنمو الى محفزة للانهيار. ثمة فهم خاطئ للعالم لدينا. وثمة انظمة تبادل وتفاعل وعيش تتباعد اكثر يوما بعد يوما. وهذا ينتج عنه عدم توازن بين الحواجز والحوافز. الساسة مؤشرات انهيار. فلا هم ابطال ولا اقزام.
عواصف التدمير الخلاق في لبنان التي اودت الى الانهيار لم تنفجر بالصدفة. فغياب فعالية المؤسسات المجتمعية الضامنة للازدهار ومحاسبة من هم في اعلى درجات السلطة ادى الى التصدع.
بطلة الاسبوع الفائت كانت النائبة "زرازير" التي اعادتنا الى مغامرات "فلة". تنظم غزوة مصرفية هنا وتصمم قضية تحرش هناك، وتجهض باللهو انتفاضة شعب. تعوّض عن غياب لافت وفعالية في التشريع لاسترجاع حقوق الناس، باسترجاع وديعتها بطريقة مضحكة.
حكومة تتصدع ووزراء لا يرغبون بالاستمرار. والمفاوضات مع اسرائيل التي كنّا نعوّل عليها لافراز تسوية تعكس التوازن، تتهاوى بفعل "نتنياهو" والانتخابات. الجانب اللبناني استثمر في قوة حزب الله للاستحصال على افضل اتفاق. كفاءة حاكت صلابة الموقف الرسمي. الا انّ الانجاز الفائت ما كان ليعوّض عن فشل الحوكمة والاحترار وزوال الفصول والتصحر واكتساح اجناس نباتية لاخرى.
التصدعات البنوية لا تعالجها الاتفاقات. المطلوب معادلات جديدة تحفظ خصوصية الثقافات لتكوين بيئات داعمة لنمو مؤسسات تحفز التطوّر والابتكار، والفرص والحساب. المطلوب بلد حقيقي. لانه لا يمكن لبيئة بهذا القدر من التباين الثقافي ان تحكم طائفيا ومركزيا وبالتراضي، ففي هذا تحفيز لغلبة الموت والانهيار. المشكلة ابعد من الساسة، انهم مؤشرات ليس الا!!