مازن عبّود (النهار – اوكسيجين)
يقول ماكس ويبير في "العطية السياسة" انّ الدولة مثل أي مؤسسة سبقتها تقوم على علاقات بشر يتحكمون ببشر بوسائل القوة المقوننة. لكن لماذا ومتى يطيع الناس وعلى أي تبريرات داخلية وخارجية تبنى هذه السيطرة؟
الطاعة بحسبه هي نتيجة الخوف والامل، الخوف من العقاب او من انتقام من هم في السلطة والامل بالتعويض او الخيرات. وتكون الطاعة عادة هي لما هو متوارث او قيادي (الأنبياء والزعماء والقادة) او للقانون.
يعتبر بانّ السياسة تتطلب رؤية وعشقا. تتطلب ابطالا وقادة. تتطلب من يقف كي يقول في وسط الخراب بالرغم من كل شيء سنقوم.
اما عند ارسطو فالاخلاق والسياسة لا ينفصلان، وعدالة الدولة هي نفسها عدالة الفرد عنده. "نجيبي" جارتنا تنتظر موسم اللا اخلاقيات. وتتكلم عن اقتصاد الانتخابات. تتوقع خيرا من وصول السفراء وتربط بذلك بتدفق الأموال. وغير ذلك "لا يحشو الكوسا رزا". ويؤيدها "زكور" الذي يعتبر بانّ قدرة السياسي الماكر هي في بيع الوعود ونشر المخاوف وفي اتساع رفوف السوبر ماركت. "كلوديا" أبلغت الجيران بانّ الجنرال له دالة كبيرة لدى البابا القادم بشفاعته الينا كي يفتقدنا.
ثمة ما يدفع في لبنان الى التفاؤل الحذر. عودة سفراء خليجيين، اتفاقية مع صندوق النقد بالحروف الأولى، وانتخابات على الأبواب، وزيارة للبابا أضحت واقعا مع نهاية الربيع.
تفاؤل لا يلغي الانهيار. فالناس تعاني والجامعات تعاني وقد بدأت تفتح نوافذ وابواب في الخارج لتامين سيولة تمكنها من الاستمرار. قطاعات تتهاوى. ومرضى السرطان يتعالجون بآمال ومخاوف. قطاع كقطاع الاتصالات ينهار، لانه يبيع الخدمة تماما كقطاع الكهرباء بأقل من كلفتها. صار يلزمك عجيبة إذا ما انقطع الانترنيت عن بيتك. فصيانة الخطوط تحتاج الى بضاعة ودولارات والدولارات مفقودة والناس موجودة لكن بالليرات. وتعرفة "الواتز اب" والاتصالات لا يدنى منها، الناس عندنا تعشق الكلام والتواصل حتى اكثر من الطعام. الرغيف طابة في ساحة الحاكم والمحكوم والمدعي والمدعى عليه. اتفاقية مع صندوق النقد الدولي ابرمت على مستوى الخبراء في السابع من الشهر الحالي. فشكرا سيد ارنستو ريغو وكل الاحترام لدولة الشامي والرئيس ميقاتي. اتفاقية ستضمن إعادة هيكلة دين خارجي وإعادة ثقة مفقودة ان تمكنت العاقر ان تلد وتنجز إصلاحات في موسم العجائب والانتخابات وفق ما نصت عليه الاتفاقية.
بعضهم يفاخر بأنه تمكن من جعلنا نعيش في رخاء ما كنّا نمتلكه لعشرين سنة. ويعتبرها إنجازا بانه جعلنا ننفق ما لم نكن نمتلكه. المهم انّ الساسة كانوا فرحين وبانّ الناس راضون. الازمات الإقليمية والدولية والرشد المحلي وسياسات العجز المالي المستدامة انهت الكذبة. انهت استهلاكنا لموارد المستقبل. الزمن زمن مواجهة تحديات الحاضر. عين على البحر وعين على اوكرنيا. تدفق ثلاثة مليارات دولار على ستة وأربعين شهرا صار انجازا.
يتكلم نعوم تشومسكي عن استثمار القلة في قلق وخوف الناس. ويقول "العمال الخائفون لا يطالبون برواتبهم، ولا يضربون. بل يخدمون اسيادهم برضى...الأقوياء يقومون بما يحلو لهم لانّ الناس تحولوا الى مستهلكون". ونحن في لبنان نعيش الاستهلاك والقلق. قتلوا ديمقراطيتنا بالديون. استسلمنا للخوف او للتعويض. اعتقد بعضنا بانه يتحوّج ما يلزمه من ساسة ورشوة ومصالح. واعتقدنا باننا استهلكناهم الا انهم استهلكوا البلد.
قال دايفيد بروك الخميس الفائت في النيويورك تايمز بأنّ العولمة انتهت وحروب الثقافات بدأت، فأي ساسة سننتج كي نواجه المرحلة؟