كتب خيرالله خيرالله

لبنان 2020... خيار "رايحين على جهنّم‎"‎

تم النشر في 29 كانون الأول 2020 | 00:00

ليس معروفا، في ضوء الاحداث التي شهدتها السنة 2020 هل سيكون لدى لبنان ‏مكان آخر يذهب اليه غير جهنّم او الجحيم. هذا، على الاقلّ ما وعد به رئيس ‏الجمهورية ميشال عون مواطنيه في مؤتمر صحافي عقده في أيلول – سبتمبر ‏الماضي بعد شهر ونصف شهر على تفجير مرفأ بيروت. قال صراحة ردّا على ‏سؤال وجّه اليه عن وجهة سير البلد في ظلّ التأخير في تشكيل حكومة جديدة: ‏‏"رايحين على جهنّم"‏‎.‎

ليس ما يشير الى انّ امام لبنان خيارا آخر غير جهنّم وذلك بعدما صار البلد مفلسا ‏وفي غياب ايّ وعي لدى القيادة السياسية الموجودة التي يديرها "حزب الله" على ‏طريقته ويتحكّم بتصرّفاتها، للكارثة التي حلّت به. لا وجود لاي طرح جدّي ‏يستهدف البحث عن مخرج من الازمات التي يعاني منها لبنان على كلّ المستويات. ‏هناك ازمة اقتصادية عميقة وأزمة سياسية لا تقلّ عنها عمقا... وهناك عزلة، لا ‏سابق لها للبنان، عن محيطه العربي وعن العالم الغربي وعن العالم بشكل عام. كلّ ‏ما في الامر ان لبنان صار رهينة لدى ايران التي تعتبره ورقة من الأوراق التي ‏تستطيع المساومة بها في أي مفاوضات مع "الشيطان الأكبر" بعد دخول جو بايدن ‏الى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل‎.‎

لم يعد لبنان بلدا قابلا للحياة. ليس فيه من يقول للمواطن العادي ما الذي حلّ بامواله ‏المودعة في المصارف او من وراء تفجير مرفأ بيروت. انهار النظام المصرفي ‏الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد وليس من يريد اخذ العلم بحجم المشكلة ‏وتأثيرها على مستقبل البلد وعلى كلّ مواطن فيه. ليس من يريد الاعتراف بانّ ‏سرقة، قد تكون الأكبر في التاريخ الحديث، حصلت في بلد كان يعيش بفضل ‏الخدمات المصرفية التي يقدّمها لابنائه ولكل المنطقة‎.‎

كانت السنة 2020 سنة "رايحين على جهنّم" بالفعل. صدق ميشال عون هذه المرّة ‏مع اللبنانيين. لكنّ صدقه كان يجب استتباعه بخطوة أخرى هي الاستقالة من ‏موقعه، خصوصا انّ عهده، الذي هو "عهد حزب الله"، لم يستطع التعاطي مع أي ‏مشكلة من المشاكل المطروحة، بما في ذلك مشكلة الكهرباء التي يتولّى ملفها صهر ‏رئيس الجمهورية. يتولّى جبران باسيل هذا الملفّ منذ ما يزيد على عشر سنوات، ‏امّا مباشرة او عن طريق تابعين له. زاد الدين العام في لبنان نحو خمسين مليار ‏دولار بسبب الكهرباء، علما انّ في الإمكان تحويلها الى قطاع رابح لو وجد بين ‏المسؤولين من يتحمّل مسؤوليته‎.‎

في اساس المأساة اللبنانية ذلك الالتقاء بين الجهل والحقد والرهان في الوقت ذاته ‏على ايران. ليس في موقع المسؤولية من يدرك انّ ايران، التي استثمرت في لبنان ‏عبر "حزب الله" الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري"، تستطيع ان تدمّر لا ‏ان تبني. اين استطاعت ايران القيام باي عمل إيجابي حتّى داخل "الجمهورية ‏الاسلاميّة" نفسها؟ هل حصل شيء من هذا القبيل في العراق؟ الجواب: لا والف لا. ‏كلّ ما فعلته ايران منذ العام 2003 عندما عاد قادة الميليشيات المذهبية التابعة لها ‏الى بغداد على دبّابة أميركية، يختزل بحملة تستهدف اثارة الغرائز المذهبية. هل ‏لدى ايران ما تقدّمه للعراقيين غير البناء على اثارة الغرائز المذهبية كي لا تقوم ‏للعراق قيامة في يوم من الايّام؟

ماذا عن سوريا؟ ما الذي فعلته ايران في سوريا مباشرة او عبر ميليشياتها التي ‏بينها "حزب الله"؟ كلّ ما فعلته هو المشاركة في حرب على الشعب السوري ‏الباحث عن التخلّص من نظام اقلّوي وعن حدّ ادنى من الكرامة‎.‎

ما الذي تفعله ايران في لبنان؟ هل لدى ايران مشروع آخر غير تحويل لبنان ‏‏"ساحة" بغية السيطرة عليه. النتائج تتكلّم بنفسها. لم يكن ممكنا تصوّر وصول ‏لبنان الى ما وصل اليه لو لم يتحوّل "حزب الله" الى الحاكم الفعلي للبنان نتيجة ‏سلسلة من الانقلابات. بدأت هذه الانقلابات باغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر ‏من شباط – فبراير 2005 وتوّجت بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 ‏تشرين الاوّل – أكتوبر 2016‏‎.‎

لا امل للبنان، مثلما ان لا امل لسوريا او لليمن... او لغزّة. يظلّ في العراق، الذي ‏يخوض فيه النظام الإيراني معركة وجودية، من يحاول الصمود. يعود ذلك، الى حدّ ‏ما الى الشخصية العراقية من جهة والى الثروات التي في البلد من جهة أخرى. كما ‏يعود الى وجود رئيس للوزراء هو مصطفى الكاظمي يحاول إستعادة المكان ‏الطبيعي للعراق على خريطة المنطقة من دون ان يضع نفسه في موقع العداء ‏السافر لايران‎.‎

لم يكتف "عهد حزب الله" بتسليم مصير لبنان الى ايران. قطع الطريق على ‏المبادرة الفرنسية التي كان يمكن ان توفّر مخرجا للبلد. بات ممنوعا على سعد ‏الحريري تشكيل حكومة اختصاصيين، كما طالب الرئيس ايمانويل ماكرون، لعلّ ‏وعسى يحصل لبنان على مساعدات هو في امسّ الحاجة اليها. فعل ذلك من اجل ‏ان بقاء ورقة إيرانية لا اكثر‎.‎

لا يمكن الاكتفاء بالكلام عن ان سنة 2020 كانت سنة الانهيار اللبناني. يمكن ‏الذهاب الى ابعد من ذلك بكثير. يمكن القول بكلّ راحة ضمير ان لبنان الذي عرفناه ‏لن يعود يوما. عودة لبنان صارت مستحيلة. لا مفرّ من صيغة جديدة في ظروف ‏إقليمية مختلفة. من يصنع هذه الصيغة؟ سيعتمد الكثير على ما سيحدث في ايران ‏نفسها حيث يوجد نظام مستعدّ للامساك باوراقه كلّها الى آخر لحظة غير آبه بما ‏يحصل في العراق او سوريا او لبنان او اليمن‎.‎

في النهاية، لم يستح نوّاف الموسوي، وهو نائب لـ"حزب الله"، اضطر لاحقا الى ‏تقديم استقالته لاسباب شخصية، من القول تحت قبّة البرلمان في العام 2019 "إن ‏بندقية المقاومة هي من اوصلت ميشال عون للرئاسة". عندما يحصل مثل هذا ‏الامر في مجلس النوّاب يصبح سهلا فهم لماذا آل لبنان الى ما آل ايه. ما الذي يمكن ‏توقعه غير "جهنّم" في بلد عربي يقرّر فيه "حزب الله"، الذي ليس سوى أداة ‏إيرانية، من هو رئيس الجمهورية المسيحي في هذا البلد؟