صحافة بيروت

لبنان نحو العتمة الشاملة و"الطاقة"... "همّي نفسي‎"‎

تم النشر في 22 حزيران 2020 | 00:00

ما يعانيه لبنان اليوم من نقص فاضح في انتاج الكهرباء، سيكون بمثابة نزهة في الضوء أمام ما ‏ينتظر البلد من عتمة كالحة في الاشهر القريبة القادمة. ملامح الغرق التدريجي في الظلام بدأت ‏تظهر في غالبية المناطق مع تجاوز معدلات التقنين 14 ساعة يومياً. أما خطط الكهرباء ‏‏"العرجاء" فلن تستطيع "التعكيز" بعد اليوم على المولدات الخاصة، التي ستمنى بدورها، مع ‏فقدان المازوت وارتفاع سعره، بمقتل‎.‎

المشكلة في قطاع الطاقة لا تتوقف على اعتماد الحكومة خططاً كهربائية قديمة تخطاها الزمن ‏فحسب، إنما على افتقار الخطط للحوكمة الرشيدة والقدرة على الاصلاح. فـ"لا يمكن لبلدنا، الذي ‏ساهمت سياسة الطاقة الحالية في إفلاسه، أن تستمر في تجاهلها المستمر للأموال العامة، والبيئة، ‏والاقتصاد وجودة الحياة ورفاهية مواطنينا. يجب أن تتبنى على الفور نموذجاً جديداً للتحول، ‏والتفكير في الطاقة يعتمد على التنمية المستدامة بأقل تكلفة"، يقول البيان المشترك الصادر عن ‏‏"المؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة" ومجموعة "كلنا ارادة‎".‎

EDF ‎والدراسة

في الوقت الذي يتعاظم فيه الاعتماد العالمي على الطاقة المتجددة، ما زالت طموحات الخطط ‏الطاقوية محصورة بإنتاج 12 في المئة من الكهرباء لغاية 2020 و30 في المئة لغاية 2030. ‏ومع هذا، لم يتعدّ الانتاج من الطاقة النظيفة لغاية العام الماضي الـ 56 ميغاواط بحسب مختلف ‏التقارير، أي ما يشكل حوالى 2 في المئة فقط من الطاقة المنتجة وبأسعار مرتفعة جداً عن ‏المعدلات العالمية. وفي حال استمرار النهج نفسه فان هذا الرقم لن يزيد بعد 10 سنوات، ولا ‏حتى بعد مئة عام‎.‎

في شباط العام الحالي كلف البنك الدولي شركة كهرباء فرنسا إجراء دراسة مفصلة عن حاجة ‏لبنان من الكهرباء لجهة الحاجة المستقبلية وطرق الانتاج الامثل، التي من الممكن ان تؤمن بأقل ‏كلفة. فهذا القطاع الفاشل الذي استنزف الخزينة بأكثر من 45 مليار دولار يعتبر أساسياً في ‏المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وإذا لم يتم حل هذه المعضلة فان المفاوضات مع صندوق ‏النقد الدولي الذي يعتمد بشكل كبير على التوصيات النهائية "للبنك"، سيكون مصيرها الفشل، ‏وسيحرم لبنان من أي فرص تمويل مستقبلية‎.‎

قامت شركة كهرباء فرنسا التي تعمل على برنامج متطور جداً يعرف بـ‎ PLEXOS ‎بدورها ‏كاملاً. وقد اجتمعت و"البنك الدولي" خلال الفترة الماضية بكل من ممثلي وزارة الطاقة ‏و"المؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة"، التي كانت تطالب بتنفيذ مثل هذه الدراسة المحترفة. بعدما ‏كانت "للجمعية" مساهمة بدراسة شبيهة مع الجامعة الاميركية في بيروت وStrategy &. ‎وبعد ‏نحو ثلاثة أشهر قدمت كهرباء فرنسا المسودة الاولية التي حملت عنوان "خطة توليد الطاقة بأقل ‏تكلفة‎" LEAST COST GENERATION PLAN. ‎المسودة التي جرى تسريبها إلى ‏الرأي العام، لم تنل رضى وزارة الطاقة واستمرت باخفائها عن الحكومة والرأي العام أملاً في ‏الضغط على شركة كهرباء فرنسا لتغييرها‎.‎

‎%40 ‎طاقة نظيفة

مسودة الدراسة لا تقف عند حدود ضرورة وامكانية تأمين 40 في المئة من انتاج الكهرباء خلال ‏الاعوام القادمة من الطاقة النظيفة، إنما ان يتم الوصول الى 37 في المئة في السنوات الخمس ‏الاولى، وان تترك الـ3 في المئة المتبقية للسنوات اللاحقة، لا ان يتم تأجيل تنفيذ الخطط الى ‏اللحظات الاخيرة كما جرت العادة. هذه التوصية البالغة الاهمية التي تعتمد على كمية انتاج كبيرة ‏بكلفة قليلة تنسف تلقائياً خطة الوزارة بالتوسع بانشاء المعامل الكهربائية. رئيس المركزي اللبناني ‏للطاقة المتجددة روني كرم يلفت إلى أن "أهمية هذه الدراسة هي اشارتها الى عدم صحة الاكثار ‏من معامل الغاز على الشاطئ إذا كانت النية هي الاعتماد على الطاقة المتجددة الاوفر على كل ‏المستويات الاقتصادية والصحية والبيئية. وذلك كي لا نقع بالمأزق الذي وقعت فيه الاردن‎".‎

فالاردن بعد العام 2014 سار بخطتين لانتاج الكهرباء. الاولى اعتمدت فيها على تطوير وانشاء ‏معامل الغاز بعقود‎ TAKE OR PAY ‎لمدة 25 عاماً وبكلفة تقدر بحوالى 10 سنتات ‏للكيلوواط. والثانية بالتوسع بانشاء مشاريع الطاقة المتجددة على الطاقة الشمسية، أيضاً بكلفة 10 ‏سنتات حينها للكيلوواط. انما بعد 5 سنوات ارتفعت الطاقة المنتجة من الشمس إلى 1400 ‏ميغاواط وانخفض سعر الكيلوواط الى 2.5 سنت، مقابل ثبات سعر كيلوواط المعامل على الغاز ‏عند 10 سنتات، واضطرار الدولة إلى دفع ثمن كامل الكمية المنتجة بسعر مرتفع لغاية نهاية ‏العقد. الامر الذي حرم الاردن من التوسع في انتاج الطاقة النظيفة وحرمان المواطنين من ‏الاسعار المنخفضة‎.‎

الطاقة المتجددة تلغي سلعاتا

دراسة كهرباء فرنسا التي لحظت امكانية وصول لبنان في غضون سنوات قليلة الى انتاج 40 ‏في المئة من الطاقة من الشمس والهواء والمياه، أو ما يعرف بمزيج الطاقة الامثل، قللت تلقائياً ‏الحاجة إلى معامل الكهرباء وأبعدت تلك المكلفة اكثر من غيرها. وبالتالي أوصت الدراسة، ‏بحسب كرم، بـ "تحويل معمل دير عمار الموجود الى الغاز واضافة معمل آخر بطاقة تصل الى ‏‏1430 ميغاواط بدلاً من 459. ورفع الطاقة الانتاجية في معمل الزهراني إلى 935 ميغاواط ‏بدلاً من 459 ميغاواط. والابتعاد عن انشاء معمل في سلعاتا لتعقّد وارتفاع اكلاف استملاك ‏مكان المعمل وشبكة النقل، هذا عدا عن الاختلافات مع الاهالي والبلدية والانعكاس على البيئة ‏البحرية، وعدم رغبة البنك الدولي في تمويل مثل هذه المشاريع الاشكالية. من هنا يعتبر كرم ان ‏‏"منطق كهرباء فرنسا تقني بحت، ولا دخل له لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة والامور ‏الداخلية اللبنانية. وهو يرتكز على اولوية الاستفادة من المواقع الموجودة وتكبير قدراتها ‏الانتاجية، بدلاً من صرف المزيد من الاموال على معامل جديدة. وهذا ما يظهر بوضوح ‏باستئناف العمل بمعمل الجية بعد العام 2026. لان الهدف هو الاستثمار في المواقع الحالية ‏بالطاقة القصوى والابتعاد قدر الامكان عن اضافة مواقع جديدة أينما كانت‎".‎

‎6 ‎من 7 احتمالات وضعتها دراسة كهرباء فرنسا أفضت إلى عدم ضرورة انشاء معمل في ‏سلعاتا. أما الاحتمال الواحد المتبقي الذي يبقي المعمل، فيرتكز على عدم تخطي الطاقة المتجددة ‏الـ 5 في المئة. وهذا ما يدفع للشك بأن وزير الطاقة، الذي يجاهر بعدم ايمانه بالطاقة المتجددة، ‏يدفع باتجاه الضغط على كهرباء فرنسا لتخفيف الاعتماد على الطاقة النظيفة، من اجل استمرار ‏السير بمعمل سلعاتا. وهو ما لن يحصل بحسب خبراء وناشطين يتابعون الملف عن كثب‎.‎

محاولات تشويه المسودة وتسويقها على انها غير دقيقة ومعدومة القيمة تعني لنا كمواطنين أمراً ‏واحداً، وهو: لا كهرباء. وإن قدّر الله وأتت بعد زمن غير محدد، فستكون بخطط مشبوهة ‏وبأسعار مرتفعة، وبكثير من الاموال المهدورة التي ستذهب بدل سمسرات وصفقات‎.‎



نداء الوطن - خالد أبو شقرا