اليوم، هو الأول في شغور رئاسة الجمهورية. لذلك هناك عناوين كبيرة محور نقاش داخلي، في مقدمها النقاش الدائر بين الأحزاب المسيحية، على المستويات القيادية والوزارية والنيابية كافة لاتخاذ موقف من موضوع التشريع في المجلس النيابي في ظلّ الشغور هذا، كما أنّ هناك نقاشات داخل كل فريق وصولاً إلى الموقف المناسب. وتشير أوساط سياسية بارزة إلى أنّه يكفي أن يقاطع المسيحيون جلسات مجلسَي النواب أو الوزراء ليبطل انعقاد الجلسات، نظراً عندها إلى انعدام الميثاقية. ولاحظت أنّ الأقلية في كل طائفة لا كلمة لها. حتى الآن لم يتخذ قرار بمقاطعة الاثنين، أي مجلسَي النواب والوزراء، أو بمقاطعة الأول، أو الثاني، أو بالمشاركة في الجلسات في حال طرح التشريع بصورة استثنائية أو لدى الضرورة من أجل أن لا تتعطّل مصالح الناس وسير الأمور في البلاد. في حين أن أحزاباً أو تيارات أخرى غير مسيحية، إما تلتزم التريث في إعلان موقف من التشريع أثناء الشغور أو لا تمانع في حصوله.
هناك ثلاثة آراء بالنسبة إلى التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي. الأول يقول إنّ الحياة العامة لا تتوقف وإنّ المشرّع الدستوري لم يخطط للفراغ، وإنّ المجلس لا يمكنه أن يبقى من دون تشريع ويُفترض أن يستمر، وهو الأمر الذي جعل رئيس المجلس نبيه بري يدعو إلى جلسة للمجلس بعد غد الثلاثاء لمتابعة درس سلسلة الرتب والرواتب. وأداء النواب المسيحيين حيالها سيكون مفصلياً في تعاملهم مع التشريع، فهل سيقاطعون، أم يعتبرون أنّها من الضروريات وحضورهم يشكّل استثناء، وهل عدم توافق المسيحيين على رئيس يجب أن يؤدي إلى تعطيل الحياة العامة، بغض النظر عن تفاوت المسؤوليات، ولماذا يتفقون على موضوع التشريع ولم يستطيعوا الاتفاق على الرئيس؟
هناك رأي آخر يقول بأنّ المجلس لا يمكنه أن يشرّع في ظلّ الشغور الرئاسي. فرئيس الجمهورية هو الذي يوقّع القوانين والتشريعات، لذلك هناك علامات استفهام حول ما إذا كان باستطاعة مجلس الوزراء أن ينشر القوانين بعد أن يوقّعها. أي هل يمكن أن يحل مجلس الوزراء محل الرئيس في نشر القوانين، وهل سيحصل ذلك ما دامت السلطة والصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس تنتقل إلى مجلس الوزراء لدى شغور منصبه؟
وهناك رأي ثالث يقول بالتشريع في الحالات الضرورية والاستثنائية. فكيف يتم تحديدها وهل من آلية تشكل مرجعية في ذلك؟ المشرّع الدستوري احتاط للفراغ، وهدفت تشريعاته إلى تلافي الفراغ أو إلى حصر مدته في حال وجد لأي سبب من الأسباب، لكنه لم يفكر بالخلاف السياسي، وما يُتبع حالياً هو الاعتماد على السوابق في التعامل مع الدستور، إذ لم يعد الدستور هو القانون الأسمى، وباتت كل الخلافات السياسية تُخضِع الدستور لها، بدلاً من أن تخضع هي بدورها للدستور. وبالتالي قد يكون الحل في إصدار فتوى حول التشريع وحول التوقيع والإصدار، نتيجة أن يُفرض على الدستور أن يدخل في السياسة والطائفية.
مسألة أخرى متصلة بالموقف من التشريع والصلاحيات، هي أن المقصود في الدستور بأن تتسلم الحكومة صلاحيات الرئيس لدى شغور موقعه، أنه ليس من الضروري أن يبقى الشغور لأشهر أو مدة طويلة، أي الهدف ليس تعطيل المؤسسات نتيجة انتقال السلطة إلى مجلس الوزراء. والدستور يقول بانتقالها إلى المجلس ولا يقول كلمة مجتمعاً، لأنّ المجلس يعني الاجتماع، والمجلس لا يكون إلا مجتمعاً وليس مبعثراً. وليس من أحد يريد أن يأخذ صلاحيات الرئيس. في عام 2007 كان لدى رئيس مجلس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة حرص على أن لا يعطي انطباعاً أنه وحكومته حلاّ محل الرئيس، بعدما تعذّر انتخاب رئيس خلفاً للرئيس اميل لحود آنذاك. ورئيس مجلس الوزراء الحالي تمام سلام تحدث مراراً عن الكأس المرّة التي لا بد منها في تولي سلطة الرئيس نتيجة تعذّر الانتخاب والفراغ، ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميل استوحى من التجربة حين عمل على تشكيل حكومة برئاسة قائد الجيش آنذاك النائب الحالي ميشال عون الماروني لكي لا يترك انطباعاً أن رئيس مجلس الوزراء المسلم أخذ سلطة الرئاسة الأولى. وشكل الجميل الحكومة قبل مغادرته قصر بعبدا وانتهاء ولايته، حين كانت تقاطعه حكومة الرئيس سليم الحص التي كانت موجودة. والتجربة التي استوحيت هي من سابقة تشكيل رئيس الجمهورية بشارة الخوري قبل إنهاء ولايته، حكومة برئاسة قائد الجيش الماروني طبعاً آنذاك فؤاد شهاب في 1952، واختاره لهذه المهمة حيث لم تكن هناك حكومة، فحكم لمدة أسبوع تقريباً إلى أن تم انتخاب الرئيس كميل شمعون.
المشرّع الدستوري لم يخطط للفراغ، إنما تعامل مع الشغور كحالة تقارب الطوارئ، حين قال إذا صودف خلو الرئاسة تدعى الهيئات الانتخابية فوراً دون إبطاء لانتخاب رئيس.
وتعتبر أوساط أخرى أن الحكومة باتت حكومة تصريف أعمال، وأن ما يحصل هو من معالم الدولة القاصرة، حيث لا قانون جديداً للانتخابات النيابية، ولا انتخابات نيابية، ولا تشكيل للحكومة الحالية إلا بعد أشهر ونتيجة عوامل وتدخلات خارجية، والآن لا انتخابات رئاسية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.