يحمل انطلاق المحاكمة أمس، معاني سياسية وقضائية بالغة الأهمية.
لكن قبل المحاكمة، أبلغت المحكمة لبنان بموازنتها التي أُقرّت للعام 2014، أي للسنة الخامسة من عملها، وهي تبلغ 59 مليون يورو. وطلبت المحكمة من لبنان أن يسدّد حصّته في هذه الموازنة والتي تبلغ 49 في المئة منها، مع الإشارة إلى أنّ ما نسبته 51 في المئة يقع تسديده على عاتق المجتمع الدولي. ويذكر أنّ لبنان كان قد سدّد حصّته في موازنتها للعام 2013 قبل نحو شهر.
ويدلّ بدء المحاكمة، وفقاً لمصادر ديبلوماسية في الأمم المتحدة، على أنّه بعد تسع سنوات على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفي خلال السنة الرابعة من بدء عمل المحكمة الخاصة بلبنان أي في السنة الأولى لولايتها الثانية، يدلّ على أنّ المسار القضائي مستمر بعيداً عن التسييس والانتقام السياسي، وأنّ المحاكمة تأخذ مسارها ووقتها اللازمين. المسار القضائي سليم ويظهر من خلال مهمّة محامي الدفاع، وهي مهمّة أساسية في مسار المحكمة. الادعاء العام يعرض في جلسات المحاكمة القضية على أساس أدلة وإثباتات تمّ على أساسها توجيه الاتهام، ومحامي الدفاع يتحدّثون بدورهم وذلك في اطار العملية القضائية السليمة.
ويأتي بدء المحاكمة، بحسب أوساط نيابية شاركت في حضور المحاكمة، تتويجاً لمساعي ولتضحيات جسيمة وعظيمة في إحقاق العدل. وأخيراً بدأ الطوق يضيق على أعناق المجرمين. في البداية لم يكن أحد يصدّق أنّ المحكمة قد أقرّت، وأنّها حظيت بموافقة مجلس الأمن الدولي، وأنّ الفريق السيادي اللبناني تمكن من أن يتخطّى كل التعطيل في مجلس النواب وصولاً إلى انتظار العدالة الدولية على كل مَنْ حاول التعطيل، بعد تعطيل القضاء اللبناني والسعي إلى تعطيل القضاء الدولي ولم يتمكنوا من ذلك.
بدء المحاكمة أثّر على الوضع الداخلي وعلى حركة تشكيل الحكومة، لناحية أنّ حذر 14 آذار وكل المحاذير التي تتمسّك بها مبرّرة، لأنّه يوجد سيول من الدماء، ومع ذلك يتصرّف الرئيس سعد الحريري وكأنّه أمّ الصبي في لبنان وكذلك في المحكمة الدولية.
الفريق الآخر، بحسب هذه المصادر، حشر نفسه بشكل قاتل، إن في حرب سوريا، أو في تعطيل العمل الحكومي، أو في الاغتيالات، وفي النهاية هناك تساؤلات كثيرة وفي طليعتها إلى أين سيذهب؟، وإذا كان لديه استعداد للعودة إلى لبنان تحت سقف القضاء والشرعية فلا أحد لديه مانع. وعندما تتحدّث 14 آذار وتطالب بالتطمينات فإنّها تقصد هذا الأمر.
إنّ انطلاق المحاكمة، وفقاً لأوساط سياسية قضائية، يعني إعلاناً للمعنيين والمتقاضين والمتهمين مجدّداً وللرأي العام اللبناني والعربي والدولي، وإعلاناً لكل المؤسسات التي تُعنى بشؤون المسائل القضائية في مجال القانون الدولي والداخلي، وبعدما كانت سرّية في مرحلة من الزمن وكانت أدلّتها غير واضحة، يعني التهيؤ لمحاكمة دولية وللمرّة الأولى في قضية إرهابية في تاريخ القانون والقضاء الدوليين. أول مرّة في تاريخ البشرية يُحاكَم أشخاص بقضية إرهابية، على مستوى القانون الدولي. المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة حاكمت بجرائم ضدّ الإنسانية وإبادة جماعية.
بدء المحاكمة حدث تاريخي سيرعب المتهمين ومَنْ وراءهم، وتحديداً حزب الله، وفقاً للأوساط، لأنّ كلمة إرهاب، المتهم بها المتهمون، ستدخل إلى عقل وضمير كل إنسان في العالم. وهذا أكثر ما يزعج هذه الجهة، ذلك أنّه عندما كان التحقيق سرّياً، كانت الحقائق غير واضحة. الآن هناك نقل مباشر للمحاكمة على المستوى العالمي، وسيصار إلى عرض القضية ومناقشتها وستظهر الصورة الحقيقية تباعاً من خلال جلسات المحاكمة المتواصلة. الأدلة لن تبرز دفعة واحدة، لكن هناك صورة موجزة عنها على التوالي وهناك مسار طويل، إنّما بعد السير بالمحاكمة سيتكوّن رأي عام جديد مدرك للحقيقة وهذا ما يحبط المتضرّرين من إظهارها.
ويعني بدء المحاكمة، أنّ المحكمة استجمعت كل المعطيات، وإذا ما ظهرت بوضوح، برزت الأصوات التي تؤكد عدم الانتقام، وضرورة وجود الوفاق الداخلي المبني على التسامح، إنّما يفترض معرفة الحقيقة التي إذا ما ظهرت بالكامل وطبّقت العدالة، فإنّ الأمر يكون رادعاً لكل الأطراف من أجل عدم اللجوء إلى القتل والإرهاب.
لا شك في أنّ بدء المحاكمة سيؤثّر على سير الاتصالات من أجل تشكيل الحكومة، إذ إنّ الوقائع التي ستُكشف لا يمكن لأي جهة أن تقول إنّها مركّبة أو إنّ إسرائيل وراء الاغتيال، أو اللواء وسام الحسن. المحاكمة تكشف تباعاً حقائق لا يعرفها العامة، وتدلّ على الجهة التي تقف وراء الجريمة، ولا بد أنّ تساؤلات تُطرح حول ما إذا كان بإمكان الأطراف المتعاونة سياسياً مع الحزب الاستمرار بتعاونها في ضوء كشف الوقائع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.