أهم ما في استقالة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أنه أدرك أن القبضة السورية على لبنان ضعفت واضمحلّت، لكن في المقابل أدرك أن القبضة الإيرانية تعزّزت وهي تتعمّق. ويبدو وفقاً لمصادر ديبلوماسية بارزة أنه كان مطلوباً من الحكومة بالإضافة إلى عدم إجراء الانتخابات النيابية، إنجاز موضوع استراتيجي وأكثر أهمية.
كان مطلوباً عدم إجراء الانتخابات لأنّ حزب الله ليست له مصلحة بإجرائها. والسبب هو أن نتائج أية انتخابات لن تكون لمصلحته، كما أن نتائجها من الجهة المسيحية الحليفة معه أي بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، ستكون متراجعة، وأقل بكثير مما حصل عليه التيار في الانتخابات منذ 4 سنوات. أي أن كتلته البرلمانية ستكون أقل، وبالتالي لا مصلحة للحزب والتيار بإجرائها.
هذا فضلاً عن انغماس الحزب، حتى الأذنين، في الأزمة السورية، ولا يستطيع أن يوفِّق بين إجراء الانتخابات ومشاركته في هذه الأزمة، حيث هناك حوالى خمسة آلاف عنصر من الحزب في سوريا يقاتلون إلى جانب النظام.
والموضوع الاستراتيجي والأعمق، بحسب المصادر، هو أنه في إطار الضعف السوري والتزايد في النفوذ الإيراني، يهم إيران من خلال الحزب، السيطرة على المثلث الذهبي في لبنان: القضاء والأمن ومال النفط والغاز المرتقبين، من أجل سيطرة إيران على لبنان. والأمن من خلال استسهال اختراق المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وفي مقدمة ذلك عدم التمديد للمدير العام اللواء أشرف ريفي. مع الإشارة إلى مسألة اغتيال الرئيس السابق لشعبة المعلومات اللواء الشهيد وسام الحسن.
إن في الأمر خطورة، إذ تنبّه ميقاتي للمخطط وجاءت الاستقالة، وفقاً للمصادر، في توقيت مهم بالنسبة إليه بالتزامن مع التحضير للانتخابات النيابية، ومسألة التجديد لريفي. وأدت الاستقالة إلى إعادة خلط للأوراق، ولهذا السبب لم يكن الحزب ممنوناً من الاستقالة، لا بل كان ممتعضاً هو وحليفه التيار الوطني الحر.
وزارة الطاقة هي الخزان المالي المقبل للبنان، ووزارة العدل هي التي تمثّل القضاء, ووزارة الاتصالات هي الداتا والمعلومات. لذلك هذه الوزارات الثلاث ستكون محور طموح الحزب في الحكومة المقبلة، في حين أن العديد من الأفرقاء حتى من الوسطيين بينهم لا يؤيدون أن تكون من نصيب الحزب.
وتفيد المصادر أن لا شيء نهائياً بالنسبة إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري حيال دعوة الهيئة العامة للمجلس للبت في مصير قانون الـ60, أو لطرح أي مسألة أخرى, أو للتصويت على الأرثوذكسي. حزب القوّات لم يعد متحمساً للتصويت على الأرثوذكسي، وأبلغ ذلك إلى كل الأطراف. في حين أن حزب الكتائب لا يزال على موقفه منه، والذي يريد المزايدة على التيار في المسيحية.
هناك تنسيق بين الرئيس بري ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط حول التعامل مع الحكومة المقبلة، وقانون الانتخاب. والمهم أن يستطيع بري اتخاذ قرار واضح ينبع من قناعته، لأنّ التنسيق بينهما يعد بمثابة جسر عبور بين ركيزتين أساسيتين بالتنسيق طبعاً مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان. بري ليس بعيداً عن جنبلاط لكنه محكوم بمعادلة كبيرة وهي المعادلة الإيرانية بشكل أساسي، وهامشه في التحرك محدود جداً.
إمكان إجراء الانتخابات لا يبدو واضحاً حتى الآن. كما أنه قد لا يتم التوصل إلى حكومة جديدة إلا بعد مضي وقت طويل. وإذا ما سُمح لميقاتي بإعادة التشكيل، فلن تكون هناك انتخابات قبل سنة على الأقل.
الاستشارات النيابية ستتم حتماً قبل الحوار. وليس هناك من اسم مبدئي متفق حوله بعد، إنما هناك جوجلة للأسماء. مع أن المصادر أكدت أن عدنان القصار كان الأوفر حظاً، وهو لم يعد كذلك. لكن ستتضح الخطوط العامة للتسمية منتصف الأسبوع المقبل. والسؤال حالياً، على أية أسس إقليمية سيتم اتخاذ القرار في شأن التركيبة الحكومية وصفة الحكومة وعنوان المرحلة، ولا تزال هذه النقطة غير واضحة.
ليس لدى 14 آذار أية مشكلة مع الحوار، وتشير مصادر سياسية قريبة من المستقبل، إلى أنه ليس للحوار هدف متصل بالتكليف أو بالتأليف الحكومي، إنما موضوع الحوار معروف حول الاستراتيجية الدفاعية والسلاح. وهناك خطوات دستورية معروفة تبدأ بالاستشارات النيابية وصولاً إلى التكليف والتأليف. الموضوع الحكومي معبره دستوري. وسيحدد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات، والتواصل بين قوى 14 آذار قائم حول التعامل مع هذه المرحلة. والموقف هو ألا تكون هناك حكومة حزبية لا برئيسها ولا بأعضائها، وموضوع الحكومة مسار دستوري، والانتخابات مسارها التواصل بين الأفرقاء, والمحاولة مستمرّة للتوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية. لكن الحوار موجود لحماية لبنان والدفاع عنه، ومعالجة موضوع السلاح. ويمكن التفكير في أن يشمل الحوار الموضوع الأمني، انطلاقاً من حماية لبنان في هذه المرحلة بعدما بات هناك وضع ملح زاد عليه انعكاس الوضع السوري، والسلاح المتفشي، وموضوع السلاح ككل والأمن ككل. فهذا قد يكون وارداً، أما الحكومة والانتخابات، فإنّ طاولة الحوار ليست مكاناً لبحثهما.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.