تتوقع مصادر ديبلوماسية أن يتسلم لبنان طلباً رسمياً من المحكمة الدولية الخاصة به في وقت قريب، من أجل تسديد حصته في موازنة المحكمة لسنتها المقبلة 2013 والتي تبدأ في الأول من آذار. ويساهم لبنان بـ49 في المئة من هذه الموازنة.
وتتجه الأنظار إلى تاريخ 25 آذار المقبل حيث ستبدأ المحاكمات للمتهمين الأربعة في الاغتيال، والتي ستكون غيابية، بعد مراسلات ومذكرات لا سيما مع الانتربول الدولي لتوقيف المتهمين ولم يتم توقيفهم. المحكمة وفقاً للمصادر تقوم بعملها وبكل أجهزتها في إطار مسار قضائي سيتعزز ويأخذ مجراه في سياق بدء العمل بالمحاكمات بحيث يقدم المدعي العام دفوعه. كما سيدلي بدفوعهم المسؤولون عن الدفاع عن المتهمين، والأمور قضائياً ستستمر، ذلك أن مهمة المحكمة تنقسم إلى اثنين: الكشف عن الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والمساهمة في تحقيق المصالحة الوطنية.
وتمكنت المحكمة من أن تشكل عامل ردع للاغتيال السياسي في لبنان. وإلا لماذا حصل عجز عن تسليم المتهمين؟ ولماذا كلما كان هناك استحقاق لتمويل حصة لبنان في موازنتها كان يحصل إرباك كبير، على الرغم من أن التمويل لم يعد مشكلة، وسيتم تمويلها هذه السنة، بأسلوب سيجري التفاهم حوله، على غرار السنة الماضية حيث تم التمويل، ومن جانب حكومة من لون واحد وضمن تحالف مع حزب الله، في وقت منع الأخير حكومة الرئيس سعد الحريري من التمويل ومن الحكم أيضاً. المحكمة مسار قضائي قائم وعلى لبنان التزامات مالية وقضائية نتيجة مذكرات التعاون معها.
والمحكمة ساهمت في وضع حد للإفلات من العقاب، بحسب المصادر، والحؤول دون استعمال الاغتيال السياسي كوسيلة في العمل السياسي. وإن اتخاذ الحيطة والحذر من جانب شخصيات لبنانية عديدة لا يعني حكماً معاودة الاغتيال. لكن لا شك أن التهديدات ترهيب بالعودة إلى الاغتيالات، ما يشل العمل السياسي، مشيرة إلى أن اغتيال اللواء وسام الحسن هو رسالة أمنية تحديداً.
ولا شك أيضاً، أن الأزمة السياسية تعرقل العمل السياسي والترهيب بالاغتيال أدى بدوره إلى عرقلة العمل التشريعي من حيث موضوع التوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية، وسط قناعات، أنه على الرغم من الخوف من الاغتيالات، سيتم العمل معاً للتوصل إلى الانتخابات في حزيران المقبل وإلى إدارتها ومراقبتها بشكل جيد.
ويذكر أنه حصلت محاولات اغتيال عدة منها نجح مثل جريمة اغتيال الحسن ومنها لم ينجح مثل محاولتي اغتيال رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، والنائب بطرس حرب. والأرجح أن تكون الجهة ذاتها هي التي تحاول الاغتيال، فضلاً عن الشخصيات التي غادرت لبنان خوفاً من الاغتيال، وأخرى تمكث في بيوتها لهذا السبب.
في كل الأحوال، أي مسار عدالة ضروري ليس للوقت الراهن، إنما أيضاً للمستقبل. الرهان يبقى على مرحلة المحاكمة، حيث أن أي تسلم للمتهمين في إطارها يشكل قوة ردع لدى المحكمة، والعدالة تبقى أفضل من عدم وجودها، في العالم كله، المحاكم لم توقف الجرائم، وشكّل التوافق السياسي مرات عديدة مجالاً لحل الجرائم. لكن المحاكمات تخفف الجرائم، والغرب بدأ يدرك أن الجرائم ليست طريقة للتعامل السياسي، وهناك طرق أخرى يتم النزاع من خلالها. على المدى الطويل إن توقف الجرائم من جراء المحاكمات مرتبط بظروف متنوعة.
وبغض النظر عما يحصل في سوريا، فإن المحكمة ستستمر، لكن السؤال يبقى من المسؤول عن الجريمة؟ وهل سيتوقف الاتهام على المتهمين الأربعة، وهؤلاء ما زالوا في حاجة إلى تثبيت الإدانة بشكل قاطع؟ بدء المحاكمة مهم، لأنه ينقل الموضوع من مرحلة الضغط السياسي لإنشائها إلى البدء بعملها والإصرار على الحشد الدولي لهذا العمل الذي لا رجوع عنه. فهناك مساهمات طوعية دولية تشكل 51 في المئة من الموازنة السنوية للمحكمة، إنه عمل دولي في أجواء اقتصادية صعبة لترجمة التزام سياسي، بهدف الكشف عن الحقيقة. وممنوع تسييس المسار القضائي للمحكمة، واتخاذ المحاكمة مسارها الطبيعي يعني تقديم أدلة المدعي العام، وتقديم الدفاع من وكلاء الدفاع. الإدانة هي مسؤولية المدعي العام، والبراءة تقع مسؤوليتها على الدفاع، إما تثبت المحكمة الاتهام أو تبرئ المتهمين. وفي حال ثبتت الإدانة يصدر حكم بالعقوبة.
وفي رمزية المحكمة وبدء المحاكمة، إن مبدأ الإفلات من العقاب لم يعد مكرساً كجزء من العملية السياسية في لبنان والشرق الأوسط في مرحلة تغيير في العالم العربي. وأي تغيير يحتاج إلى أن تكون السلطات القضائية حيث التغيير فاعلة. وهذا هو التوجه الدولي. من هنا أهمية تجربة المحكمة الخاصة بلبنان. وتعزيز القدرات القضائية يتكثّف في العالم، لأن السلطة القضائية باتت رادعاً لأي تصرف سيئ من أي مسؤول.
ما حصل في ليبيا هو طلب إحالة معمّر القذافي قبل مقتله إلى المحكمة الجنائية الدولية لأنه ارتكب جرائم حرب. ولن يكون الأمر حكراً على دول عربية أفريقيةن إنما سيتوسع حين تتطابق الحالة مع تلك القضايا التي تُحال إلى الجنائية.
الآن هناك 57 دولة طلبت من مجلس الأمن إحالة الجرائم ضد الشعب في سوريا إلى المحكمة الجنائية. ومنذ بدء الثورة في سوريا بدأت معها الجرائم ضد الإنسانية، وفق ما تقوله المصادر، وعندما يتم تحويل هذه الجرائم من وطنية إلى المحكمة الجنائية، يمكنها مقاضاة حتى رؤساء الدول، لأنهم يفقدون الامتيازات والحصانات لدى إحالتهم إلى هذه المحكمة. وبالتالي، أي سوء استعمال للسلطة يدفع ثمن صاحبه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.