أثارت تصريحات السفير السوري في بيروت علي عبدالكريم علي علامات استفهام حول أهدافها وخلفياتها، لا سيما في ضوء ما عبّر عنه رئيس الجمهورية ميشال سليمان حول ضرورة أن يلتزم جميع السفراء المعتمدين في لبنان بالأصول الديبلوماسية واتفاقية فيينا للعلاقات الدولية.
وتعتبر مصادر ديبلوماسية، أنّ السفير المعتمد لدى دولة، ليس من شأنه أن يعطي مواعظ أو يقدم رأيه، وإذا ما كانت لديه آراء معينة حول قضايا محدّدة يمكنه أن يرسل باسم حكومة بلاده كتاباً خطّياً بها إلى وزارة الخارجية، وليس أن يقوم عبر وسائل الإعلام بالتنبيه والنصح، واللجوء إلى ما يشبه التهديد المبطّن، لا سيما بعد أقل من 48 ساعة على كلام لرئيس الجمهورية حول دور السفراء. ومن المفترض أن تستدعي وزارة الخارجية أي سفير يقوم بمثل هذه الأعمال، وإذا ما كرّرها من المفترض، بحسب الأصول الديبلوماسية، اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه وفقاً للمصادر. ومن المفترض أن تتقيّد الوزارة بموقف رئيس الجمهورية، وتقوم بتوجيه تنبيه إلى السفير المعني. فعلى أي سفير يمثّل دولة معيّنة أن يعمل مع بلاده على حلّ مشاكلها، وأن يترك لبنان واللبنانيين يحلّون مشاكلهم بأنفسهم.
لكن المصادر تعتقد أنّ كلام السفير جاء كردّ غير مباشر على موقف الرئيس سليمان، ومن منبر الرابية كمرجعية مسيحية. مع أنّ الرئيس لا يمكنه تجاهل أي حدث يُفترض أن يتخذ موقفاً منه. وفي كل الأحوال، بقي موقف الرئيس موجّهاً إلى جميع السفراء، وفي الوقت نفسه سجل موقفاً متزناً، أظهر فيه الحفاظ على خطوط التواصل مفتوحة. إلاّ أنّ الأمور نتيجة مواقف السفير لن تصل إلى حدّ القطيعة، ولن يكون ذلك هدفاً لبنانياً في النهاية، إنّما الهدف لفت النظر إلى التصرّفات غير الديبلوماسية والتي لا يمكن السكوت عنها. وكان سبقها اجتماع لا يلتزم الأصول الديبلوماسية في العلاقات بين الدول، وهو اجتماع السفراء الأربعة الروسي والصيني والإيراني والسوري قبل نحو أسبوعين. وعلى الأقل كان يُفترض إعطاء العلم لوزارة الخارجية، وفي الأصل لا يحق لهم اللجوء إلى مثل هذه السلوكيات.
ولن تصل الأمور إلى حدّ الطرد، لأنّ السفير السوري يمثّل دولة للبنان علاقات معها من كافة النواحي. وتقول المصادر إنّ عوامل كثيرة تحول دون اتخاذ مثل هذه الخطوة. أوّلها، أنّ وزارة الخارجية لن تقوم حتى باستدعائه، تبعاً للجهة التي يمثّلها الوزير عدنان منصور والتي تعتبر النظام السوري حليفاً لها. وثانيها، أنّه عملياً مَن يرسم السياسة الخارجية في بعض المواقف حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي. مع أنّ هذه المسألة ملقاة في الدستور على عاتق رئيس الجمهورية.
كما أنّ هناك نسبة عالية من الشعب اللبناني، إن عن طريق الضغط السياسي أو المحبّة، لا تزال تؤيّد النظام السوري. وهذا ما يعتمد عليه السفير السوري.
ولا يستطيع لبنان اتخاذ مواقف كبيرة حيال سفير دولة تؤيّدها هذه النسبة. إنّما تترك الأمور لتأخذ مجراها، والتي لا بد في النهاية أن تتأثّر بتطورات الوضع السوري على الأرض.
وكذلك تقول بعض الآراء الديبلوماسية بضرورة تطبيق فحوى الاتفاقيات الدولية في التعامل مع السفير السوري ولو وصل الحد إلى اعتباره شخصاً غير مرغوب به إذا ما كرّر سلوكه. وتقول أيضاً بضرورة سحب السفير اللبناني ميشال خوري من دمشق، على اعتبار أنّ النظام القائم باتت لديه إشكالية في شرعيته مع معظم الدول في العالم والتي لم تعد تعترف بشرعيته، وبما أنّه ليس هناك من نظام بديل فالأفضل سحبه في انتظار حكم جديد. لكن المصادر تشير إلى أنّ ذلك لن يحصل، وسيعمد لبنان إلى ترك الأمور تسير كما هي في انتظار تطورات كبيرة. كما تشير إلى أنّ السفير اللبناني في الواقع موجود دائماً ومنذ سنة على الأقل في لبنان، بسبب الأوضاع السورية. مع أنّه يزور السفارة بين وقت وآخر. والسفير اللبناني لا يتم استقباله على الإطلاق، والسفير السوري لا يزال يأخذ في سلوكه مجرى أنّ لبنان ما زال تحت سيطرة سوريا، التي إذا ما وجدت نفسها مهدّدة في نواحٍ ما، ترفع من مستوى ضغوطها على لبنان.
ومنذ إقامة العلاقات الديبلوماسية قبل أربع سنوات تقريباً، كان يظهر أنّ دمشق، بحسب المصادر، ستتعامل مع السفير اللبناني بالشكل الذي تعاملت فيه معه. وكان الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري بالنسبة إليها سوبر سفير. فأقامت العلاقات الديبلوماسية ونزعت من مضمونها كل المعنى. الآن السفير اللبناني يمكث على الغالب في لبنان بسبب الخطر في سوريا من جراء الأحداث. والديبلوماسي الثاني في السفارة رامي مرتضى هو حالياً في بيروت، بعدما تمّت ترقيته إلى رتبة سفير وتعيينه لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وسيتسلم منصبه قريباً، ولم يتم بعد تعيين خلف له، وهناك تكلفة كبيرة لوجود السفارة لدى سوريا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.