بعد نحو 10 أيام على سريان مفعول اتفاق وقف العمليات العسكرية بين غزة وإسرائيل وتوقّف العدوان الاسرائيلي عليها، من المهم إجراء تقويم موضوعي لما حصل بعيداً عن الخطاب التعبوي، للنظر في أبعاد الاتفاق وانعكاساته على المقاومة، وهل من نقاط تشابه في النتائج مع حرب تموز 2006 على لبنان؟.
تعتقد مصادر سياسية واسعة الاطلاع، انه آن الأوان لإيجاد الحل العادل والشامل بعد المفاجأة التي حلّت بالإسرائيليين بانطلاق الصواريخ من غزة واستهدافها المدن والقرى الاسرائيلية البعيدة. وفي الوقت نفسه، لم تكن إسرائيل تهدف من جراء قصفها غزة الى العودة اليها. لأنها لم تكن تصدق خروجها من غزة والانتهاء من متاعبها. فهي لا تريد أرض غزة، وتخلّت عنها بملء إرادتها. غزة أصبحت حالة جغرافية أمنية سياسية مستقلة، أقرب الى نهج الوصول الى دولة صغيرة. ومع الأخذ بالاعتبار تبادل المسؤوليات في الحركشة قبيل اندلاع الحرب عليها، فإن اسرائيل أرادت من عدوانها أن تختبر مدى القدرة الصاروخية لغزة، ساعية الى تفريغها من الصواريخ لا سيما التي حازت عليها في الآونة الأخيرة.
والهدف الأكبر إقناع الغزاويين ان نطاق مشروعهم المقاوم بات محدوداً. وبالتالي، عندما يصبح هناك تفاهم على وقف العمليات العسكرية بكل أشكالها، يعني أن هناك تفاهماً على وقف المقاومة، خصوصاً بعد هذا الكم من إطلاق الصواريخ والتي ربما أفرغت كلها، وكانت إسرائيل قد انزعجت منها.
المهم انه من خلال التفاوض الضمني، لن يُستعمل سلاح في غزة مؤذٍ لإسرائيل. هذا في الدرجة الأولى، ثم هناك فتح المعابر. ما يعني المساهمة من المجتمع الدولي وإسرائيل في تحويل البقعة المقاوِمة نتيجة القهر الى بقعة تتنفس شرايينها. ولذلك، يُعدّ فتح المعابر انتصاراً لمشروع تأسيس الدولة وليس المقاومة.
ولم تنجح مصر في التوصل الى الاتفاق إلا بعدما أعطت ضمانة لإسرائيل وللولايات المتحدة، بأنها ستساهم في مشروع غزة ونهج الدولة وليس المقاومة. وكان واضحاً تأكيد المسؤوليين الفلسطينيين، على مختلف التنظيمات التي يمثلون، التزامهم الاتفاق بوقف العمليات. وبالتالي، كانت مصر مضطرة الى معالجة أي خلل. وفي المقابل جرى التزام اسرائيلي بتسهيله قيام غزة الدولة على حساب غزة المقاومة. ولم يعد هناك في فلسطين خلاف حول البرنامج حين تعبر حماس الى وقف العمليات من خلال أن تكون سلطة بجغرافيا مختلفة.
وبحسب مصادر نيابية لبنانية بارزة، فإن الربح سجّل للإخوان المسلمين في غزة بعد مصر، هذه هي المعادلة التي حمكت نتيجة الحرب على غزة والتي تصدرت واجهة الاهتمام الدولي، بالتزامن مع الأولوية الدولية للوضع السوري.
وفي إطار تلك المعادلة عادت مصر الى الساحة الفلسطينية، وعادت معها القضية الفلسطينية الى الرعاية المصرية المباشرة، بعدما طارت من يد سوريا وإيران. وبات التأثير الايراني فيها أضعف. فربحت من تلك الحرب مصر، وحماس أيضاً التي أكدت الحرب انها تضبط وضع التأثير الإيراني بشكل أفضل وثبّتت حماس أقدامها، في منحى التعقل الذي تتخذه والبراغماتية. ووضعت مصر الوسيط بينها وبين إسرائيل، وبات وضع الجهاد الاسلامي أدق تجاه حماس، وبات لديها القدرة على ضبطه، لذلك حركة الجهاد لم تعد حرة كما كانت في السابق. كذلك ربحت إسرائيل في انها أجرت التجارب على القبة الحديدية التي كانت أقامتها، من خلال عملية عمود السحاب. انها نظرية حالة الربح الربح لكل الجهات المشاركة وهي شبيهة بالنتائج التي حققها العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 على لبنان. والخاسر الوحيد الآن هو الشعب الفلسطيني كضحايا وخسائر مادية.
ففي تموز 2006 ربحت إسرائيل الهدوء والاستقرار على حدودها الشمالية بضمانة دولية إقليمية، ويشرف على ذلك، 30 ألف عسكري أجنبي، في إطار القوة الدولية العاملة في الجنوب اليونيفيل بموجب القرار 1701. فحمت إسرائيل حدودها الشمالية الى حين ظهور معادلات وظروف جديدة. كما ربح حزب الله معنوياً من خلال نظرية النصر الإلهي، وربحت سوريا من ورائه وعززت تحالفها معه. لكن الحزب عمل في ضوء ذلك على تقوية موقعه على الصعيد الداخلي الى حد انه وجّه السلاح الى الداخل في 7 أيار الشهير. فربح كل الأفرقاء إنما كان الخاسر الوحيد الشعب اللبناني والضحايا والاقتصاد. وحتى الآن ليس هناك من ضمانات مؤكدة من عدم توجيه السلاح مجدداً الى الداخل.
كما أن توقف الحوار الداخلي ومسببات هذا التوقف، لا تزال تلقي بثقلها على الوضع اللبناني، في ضوء عملية اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، وقبلها إطلاق طائرة ايوب فوق إسرائيل بشكل منفرد ومن دون تنسيق مع الأطراف على طاولة الحوار، فضلاً عن الكلام الأخير للأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله والذي أطلق في اتجاه اسرائيل.
ما يعني انه بعد حرب تموز، تغيّر دور المقاومة لإسرائيل، وتحول السلاح الى دور آخر. وبصرف النظر عن مسبباتها، فإن نتيجة حرب تموز أظهرت أنه لم يعد هناك سلاح مقاوم، بل سلاح موجود يعمل لتغيير المعادلة الداخلية ولا يخيف إسرائيل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.