تحولت الكوفية الفلسطينية التي كانت تستخدم من قبل الفلاح الفلسطيني الذي إعتاد أن يضعها على رأسه أثناء العمل في الأرض لتقيه حر الشمس وبرد الشتاء إلى رمز نضالي لقضيته العادلة، بكل محطاتها من مقاومة الإستعمار الإنكليزي ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي المغتصب لأرضه ومقدساته الدينية، لتصبح مع مرور الزمن بلا منازع أبرز إشارة مرتبطة بقضية فلسطين وحقوق شعبها العادلة.
•لباس الفلاحين الفلسطينيين:
قبل عام 1936، إرتدى الفلاحون "الشماغ" لمسح عرقهم، ومع مرور الوقت طوّرته النسوة وأضفن عليه الحبكة السوداء وذلك لزيادة قدرة القماش على إمتصاص كمية أكبر من العرق، وإثبات الخيوط النافرة فاعلية أكبر في مسح التراب عن وجوه العمال بالإضافة إلى عدم انزلاق "الشماغ" المطرز ( الكوفية) عن رؤوس الفلاحين خلال عملهم.
•التخفي لمحاربة الإنكليز:
حتى هذه المرحلة كانت مهمة الكوفية الوحيدة الحماية من الشمس. ولكن مع إندلاع ثورة عام 1936، تحولت الكوفية من قطعة قماش إلى رمز للنضال رسخته الدماء. خلال تلك الثورة أخفى الفدائيون الفلسطينيون (كان أغلبهم من الريف) وجوههم بالكوفيات عند تنفيذهم عملياتهم. فسعت القوات البريطانية المحتلة لفلسطين لإلقاء القبض على كل من يرتدي كوفية.
•الحسيني يطلب من الجميع إرتداءها:
ورداً على هذه الاجراءات أصدرت قيادة الثورة والمتمثلة بأمين الحسيني أمراً طلبت فيه من جميع الفلسطينيين إرتداء الكوفية لتصعيب مهمة البريطانيين في إلقاء القبض على الفدائيين، فصارت مهمة الانجليز صعبة بعدما وضعها شباب وشيوخ القرى والمدن، على حد سواء.
•تغييب الكوفية بعد النكبة:
بعد إخماد ثورة الـ36 وحدوث نكبة 1948، ، غيّبت الكوفية عن المشهد الفلسطيني لوقت طويل، ولم تعد إلا في عام 1965، مع إتخاذ "العاصفة" الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" اللونين الأسود والأبيض وتطريزة الكوفية خلفية لشعارها.
•أبو عمار يعيد الإعتبار للكوفية:
ومع ظهور الشهيد ياسر عرفات على الساحة السياسية، وإلتزامه إرتداء الكوفية بطريقة تجسد خريطة فلسطين على كتفه وظهره وإصبع الجليل على رأسه، عاد الألق للكوفية. وهذا ما شجع فدائيي الثورة الفلسطينية ما فعله أجدادهم عام 1936، حيث خبأوا وجوههم بالكوفية خلال تدريباتهم وتنفيذهم العمليات ضد الإحتلال الإسرائيلي.
ويذكر في هذا المجال أن أبو عمار ظل يلبس الكوفية حتى أيامه الأخيرة، بطريقة هندسية على شكل خارطة فلسطين التاريخية. وكان أبو عمار يرفض أن تُلتقط له أي صورة بدون هذه الكوفية. ومرة عندما منعه الإسرائيليون من حضور قداس منتصف الليل في كنيسة المهد عام 2001، وضع الفلسطينيون مكان جلوس عرفات الفارغ، كوفيته، وقال بطريرك اللاتين انذاك ميشال صباح في قداس منتصف الليل: "أنت حاضر أكثر من أي وقت مضى".
إذن، أبو عمار الذي اصبحت الكوفية جزءا من صورته، كان سببا في ان يحولها الى رمز، للنضال الفلسطيني، إذ ان الكوفية ذات اللونين الابيض والأسود، التي لم تفارقه في اي يوم، هي «رمز الرمز»، بمعنى أنها "رمز تربيع"، أي أن "أبا عمار رمز الفلسطينيين والكوفية رمز ابو عمار".
يذكر في هذا المجال أنه وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام ١٩٨٢ واندلاع انتفاضتي الحجارة والأقصى انتشرت الكوفية بين المنتفضين، وكان ذوو الشهداء عند سقوط أولادهم يلفون رؤوس اولادهم بها.
•الكوفية حاضرة في كل الحركات الإحتجاجية:
الا ان الكوفية، لم تبق فقط رمز الفلسطينيين في مناهضة المحتل، لكنها اصبحت حاضرة في كل المظاهرات المناهضة لاي احتلال او للحركات الإحتجاجية السياسة في العالم، وفي كلّ تجمعات النضال الاخرى، الطلابية والنقابية، التي تحمل طابعا سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
•الكوفية في مواجهة صفقة القرن:
أما اليوم، ومع الإعلان عن صفقة القرن المزعومة، بتنا نلحظ أن الألوف المؤلفة من الشباب الفلسطيني والعربي المتضامنين مع القضية الفلسطينية يلفون الكوفية البيضاء والسوداء حول اكتافهم، وبعضهم يرتدي «لفحة» انيقة على شكل كوفية، مرسوما عليها خارطة فلسطين او العلم الفلسطيني ليعبروا عن تأييدهم لفلسطين وشعبها، حيث جعلوا منهاً رمز للتضامن.
•الكوفية تحولت إلى موضة:
شيئا فشيئا تحولت الكوفية من غطاء تقليدي للرأس، الى وسيلة مقاومة لاخفاء ملامح الثوار، ومن ثم الى رمز فلسطيني ونضالي، يرتديه كل مناهضي الحروب في العالم، الا انها كذلك، تحولت الى «اكسسوار» انيق لكل محبي الموضة، الذين يستخدمونها شالا او قمصانا واثوابا، وفي استخدامات اخرى.
-إنتهى.
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.