البابا بنديكتوس السادس عشر اليوم في لبنان، وعلى مدى ثلاثة أيام.
الزيارة تاريخية وتمتاز بطابعها المعنوي الديني ولا سيما للمسيحيين، خصوصاً في هذه المرحلة من التهديدات التي يواجهونها في المنطقة. كما تمتاز بطابعها الديني السياسي، وإن كان البابا لا يتحدث في السياسة. لكنه سيؤكد وفقاً لمصادر ديبلوماسية، ضرورة التمسك بالعيش المشترك وبالقيم المسيحية وبالجذور وبالأرض.
والسينودوس الذي سيوقع عليه اليوم، والذي وضع في العام 2010، يهدف الى الحؤول دون تهجير المسيحيين، ويدعوهم الى التشبث بالأرض، وإجراء حوارات بنّاءة ومثمرة مع الديانات الأخرى كسبيل للتعاطي مع الآخرين. وسيتطرق في هذا المجال الى الوضع السوري من جوانبه كافة، لا سيما وضع المسيحيين.
وأوضحت المصادر أن البابا سيشدد خلال الكلمات التي سيلقيها والمحطات التي سيتوقف عندها، على الحوار الداخلي، وعلى التمسك بميزة لبنان في العيش المشترك والتي يجب ألا تزول وضرورة أن يتمسك بها المسيحييون والمسلمون على السواء وهذا ما يحمل في طياته بعداً سياسياً على أنه ليس هناك من أجواء خوف على المسيحيين في الشرق.
وسيركز أيضاً على ضرورة التحاور للتوصل الى سلام مبني على العدالة والاحترام. وكانت هناك خشية من خطر العلمانية، لكن الأمر تحوّل اليوم الى وجود مشكلة أكبر، تتمثل في البعد الطائفي والمذهبي. من هنا، سيبدي البابا حرصه على استمرار التواصل بين الانتشار المسيحي في الشرق الأوسط. وهو يطالب بأن تكون الأنظمة ضامنة لحريات المسيحيين وحقوقهم، بحيث لا يكون هناك تقزيم ولا تفتيت ولا تقوقع ولا انعزال.
والزيارة في الأساس هي لنشر الإرشاد الرسولي المتعلق بمسيحيي الشرق وفق الإجراءات المعتمدة في الكرسي الرسولي. فإثر كل مجمع، يُنشر إرشاد رسولي استناداً الى التوصيات التي يكون المجمع قد قررها. والدوائر في الفاتيكان تعمل على التوصيات وبعدها يُنشر الإرشاد. والبابا هدفه إعلان موقف عن المسيحيين في الشرق الأوسط، واختار لبنان للقيام بذلك، لما يرمز إليه من حالة نموذجية تعيش فيها كل المكوّنات في المجتمع.
وتفيد أوساط واسعة الاطلاع، أن اللبنانيين يقابلون الزيارة بالترحيب لا سيما وأن البابا أعلى مرجعية في العالم. والإرشاد تأثيره معنوي لأنه وثيقة اسمها إرشاد وليست التزاماً من الأطراف المعنية بها.
وسيتناول مصير المكونات البشرية التي يطلق عليها اسم الأقليات في الدول حيث الانتفاضات العربية. والإرشاد محط اهتمام من كل الدول. وفي مؤتمر اسطنبول حول الصحوة في الشرق الأوسط، تم درس نتائج انعكاسات التحولات التي تحصل في المنطقة لأن مستقبل الجميع مطروح، علماً أن وضع الأقباط يختلف تماماً عن وضع مسيحيي العراق ومسيحيي سوريا، ولبنان طبعاً.
وعلى الرغم من أن الموضوع مطروح منذ سنوات، ومطلوب عناية الفاتيكان له، إلا أن المأساة العراقية، جعلت الموضوع أكثر إلحاحاً. ولا أحد يعرف حقيقة ما سيقوله البابا في الإرشاد حتى التوقيع عليه بعد ظهر اليوم في كنيسة القديس بولس في حريصا. وما نشر ليس الإرشاد الصحيح بل خطوطه العريضة.
وفي دوره السياسي، تشير الأوساط الى أن للفاتيكان علاقة وثيقة مع لبنان منذ سنوات طويلة سبقت الاستقلال، والبابا الراحل يوحنا بولس الثاني أولاه عنايته أثناء الأحداث والحروب ودعا الى سينودوس خاص بلبنان عام 1995، ونشر في 1997 الإرشاد الرسولي في لبنان. والفاتيكان يعتبر أنه من أولويات الاهتمام بلبنان، الحفاظ على الصورة النموذجية في العيش المشترك والتي يجب أن تقتدي بها كل المجتمعات المتعددة. وتطوّرت العلاقة الى الحد الذي عبّر عنه البابا الراحل بأن لبنان أكثر من بلد. إنه رسالة. وعلى هذه الخلفية، اختار البابا الحالي أن يعلن الإرشاد الرسولي لمسيحيي الشرق في لبنان.
وهناك مخاوف محقة يستشعرها الفاتيكان، لأن التغييرات تنطوي على تلك المخاوف، لكنها تنطوي أيضاً على العمل. لكن الفاتيكان لا يمكنه إلا أن يكون متجاوباً مع حقوق الإنسان والديموقراطية والحرية وتطلعات الشراكة للشعوب. كما أن الفاتيكان لا يدعم أنظمة حكم، بل يدعم قيم الإنسان والحرية وتفهّم الآخر. ويؤمن أن قيم الإنسان هي ضمانة الجميع في المواطنة للجميع وليس في الحمايات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.