أسباب كثيرة تكمن وراء التوجّه الذي سيتبعه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تعامله مع ملفي التمديد للمحكمة الخاصة بلبنان، في ما خص المشاورات مع الحكومة اللبنانية لهذا الغرض. وفي ما خص البروتوكول الموقّع بين لبنان والمحكمة وتمديده اثر التمديد للمحكمة وبدء ولايتها الجديدة في الأول من آذار المقبل.
وتؤكد أوساط ديبلوماسية بارزة، أن رأي لبنان الذي يُفترض بالأمين العام أن يعرفه، في ما خص التجديد للمحكمة، هو رأي استشاري، وفقاً للقرار 1757. وبالتالي إن رأي الحكومة اللبنانية الذي لا يقدم أو يؤخر في مجال التمديد، يفوقه في التأثير رأي الأمين العام الذي يعود إليه الموقف الفصل في التمديد للمحكمة.
وبما أن الوضع كذلك، آثر الأمين العام إحاطة لبنان علماً بالتمديد ومدته، مع نقاش عام حول المسألة، مع أن السلطات اللبنانية أبلغته التزام لبنان القرارات الدولية كافة، بما فيها ذات الصلة بالمحكمة.
لذلك، إن سبب هذا النهج من الأمين العام، هو عدم إحراج لبنان في مسألة التمديد، وتلافي إدخاله في أزمة داخلية من جراء هذا الموضوع في ظل الظرف السياسي الذي يحكم الوضع اللبناني والانقسامات الداخلية التي ترافقه.
وتبعاً لذلك، سيتولى الأمين العام التجديد للمحكمة عبر الطلب الذي سيقدمه إلى مجلس الأمن في هذا المجال، من دون أن يشكل الموضوع عبئاً سياسياً على لبنان أو إحراجاً له.
كما وجد الأمين العام، استناداً إلى الأوساط، أن التعامل المماثل مع التجديد لبروتوكول المحكمة، يجنّب لبنان أزمة داخلية. إذ إنه يعتبر أن التمديد للمحكمة يمدد حتماً كل ملحقاتها ومفاعيلها، بما في ذلك البروتوكول الموقع بينها وبين لبنان، ولبنان يوافق على هذا الاعتبار. هذا هو المخرج الذي قدمه الأمين العام. وإن لم تقبل به بعض الأطراف اللبنانية، وهذا احتمال، وتريد أن تقوم بمعركة ضد الموضوع، فهذه قضية أخرى. لقد قدم مخرجاً لكي لا تحصل مواجهة بين لبنان والمجتمع الدولي، بالإضافة الى مساعدة لبنان لكي يتلافى أي نزاع حول الأمر خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة. لقد عمل كي مون على حل أي معضلة يمكن أن يواجهها لبنان في مسألة التمديد. إلا إذا كانت هناك نيّة لدى أطراف لبنانية محددة لافتعال مشكلة حول الأمر.
لكن الأوساط، تؤكد أنه ليس من مصلحة أي طرف لبناني، لا سيما حزب الله القيام بمواجهة مفتوحة وبدون أفق مع المجتمع الدولي حول أي موضوع، وكيف بالحري إذا كان موضوع المحكمة؟! ومن الممكن أن يقول الحزب إن مواقف الأمم المتحدة تطال السيادة، وإن لبنان لن يتعاون معها، لكن لن يصل الأمر الى المواجهة، وسيتم التعامل مع الموضوع، على غرار التوافق الضمني بين كل الأطراف على النأي بالنفس عن الأزمة في سوريا، وضرورة الحفاظ على استقرار لبنان. وإلا لم يكن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي يستطيع اتخاذ مواقف في هذا الإطار. الحزب يتمنى لو استطاع أن يتخذ مواقف أقسى في موضوع المحكمة وسوريا، لكنه حفظ الحد الأدنى للموقف الذي يريده في كل المواضيع، على أساس أن الحد الأقصى من غير الممكن الوصول إليه، وإلا تصبح الحكومة مهددة وما دام تشكيلها أخذ وقتاً، ولم تعد الأغلبية مضمونة من جراء مواقف رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، فإنّ تغييرها دونه صعوبات.
التجديد للمحكمة سيتم إذاً وفق اقتراح الأمين العام على مجلس الأمن التمديد لها لثلاث سنوات، وسيأخذ المجلس علماً بالاقتراح ويوافق على التمديد. وهذا التمديد سيتم بـالإجراء الصامت في إبداء الرأي في المجلس. إذ يتم تحديد يوم معين وساعة معينة بعد اقتراح التمديد، وإذا لم تعترض أو تمانع أي دولة عضو في المجلس على التمديد خلالها، يعتبر التمديد ساري المفعول، بحسب تفاصيل اقتراح الأمين العام. ويبدو أن مواقف الدول في المجلس مضمونة ولن تعترض أي دولة على التمديد. إذ إن ذلك يوفر العمل لاستصدار قرار دولي يتم التمديد بموجبه، لأنه إذا اعترضت أي دولة في سياق الإجراء الصامت يسقط هذا الإجراء، ويتم اللجوء الى استصدار قرار. وبالتالي، إن عملية الإجراء الصامت ليست أسهل من استصدار قرار.
إن رأي الأمين العام أساسي، ثم موقف مجلس الأمن، لكن المجتمع الدولي بات أكثر إصراراً على متابعة المحكمة لمهمتها، وعدم السماح بسقوطها مهما كانت الظروف.
ولم يعد لبنان في مجلس الأمن لكي تكون هناك ضغوط على صوته هناك ليرفض الاقتراح، لذلك يرجّح تمرير الموضوع بـالإجراء الصامت وليس بقرار جديد.
ولفتت الأوساط الى أن المحكمة حالياً هي في مرحلة استنفاد كل الإجراءات والإمكانات لتسليم لبنان للمتهمين الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخلال هذه السنة سيتم الانتقال الى مرحلة المحاكمة الغيابية، هذا إذا لم يتم تسليمهم، لا سيما وأنه في آخر حزيران تكون قد مرّت سنة على الطلب الى لبنان تسليمهم.
وبعد التمديد للمحكمة، سيطلب كي مون مجدداً من الدول تمويلها لسنتها المقبلة، والدول ستستجيب ولا سيما الأساسية منها الغربية والعربية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.