يطرح التفجير الارهابي الذي استهدف القوة الفرنسية العاملة في الجنوب اليونيفيل، علامات استفهام كبيرة ليس حول من نفذ فحسب، بل حول الهدف السياسي من العملية في هذا التوقيت. وتجمع المعطيات الديبلوماسية على أن للأمر علاقة بالوضع في المنطقة، كما الحادث الذي سبقه في اطلاق صاروخ من الجنوب على اسرائيل التي ردت بأربعة صواريخ.
ويتوقف على الأطراف اللبنانيين في مثل هذه الحالات القبول، بالاهداف التي يريدون أن تمر عبرهم أو رفضها، وما هي مصلحتهم، وبماذا تفيدهم مثل هذه الحوادث وكيف تفيدهم، وإذا كانت الأمور ستبقى مضبوطة وتحت السيطرة، لتوجيه رسائل محدودة الى الدول، أم أن الوضع سيتخطى سقفاً معيناً. فمن ينفذ ليس هو من أعطى الأمر لتنفيذ العملية، وليس هو من يوجه الرسائل. انه أداة من ضمن مجموعة أدوات يتم استخدامها في ظروف معينة وبأوجه معينة.
وتشير مصادر ديبلوماسية غربية الى أن فرنسا في الأساس كانت تتوقع إمكان حصول عمل أمني ضد قواتها في الجنوب، انما لديها أسباب تجعلها غير قادرة على التخلي عن مشاركتها في اليونيفيل. وفي طليعة هذه الأسباب ما يلي:
ان هناك خطوات عديدة تحققت في لبنان وعلى الحدود اللبنانية الاسرائيلية، من خلال القرار 1701 أقلها الاستقرار وليس بسبب انفجار أو اثنين، ستتراجع فرنسا عن مشاركتها. حتى انه في حال قررت خفض عديد جنودها في القوة، فإنها لا تريد اظهار ذلك انه جاء نتيجة للارهاب.
ان الانسحاب من اليونيفيل، يعني انسحاب الدور الفرنسي من هذه القوة التي تؤمن استقراراً بحدود مقبولة في الوضع في الجنوب، وتوفر حداً معيناً من الأمن والسلم الدوليين. لذلك لن تنسحب أو تتراجع جراء اعتداءات تطال جنودها. وعلى الرغم من أن فرنسا انزعجت من هذا التفجير، وهي تبدي انزعاجاً من أي اعتداء يطال القوة، واليونيفيل بصورة عامة، لكنها تعرف كيف تعطي حدوداً لهذه المسائل، بحيث لا تضطر معها الى اتخاذ مواقف تؤثر على دورها.
ان التوجه الفرنسي في إطار التوجه الدولي العام حيال الارهاب و القمع والقتل في المنطقة لن يتراجع. وأي عمل أمني ضد هذا التوجه لن يثني الدول عن اصرارها على نهجها الذي بات ثابتاً.
ويعد الجنوب أحد الأوراق، التي يمكن أن يستفيد منها الاقليميون المتضررون من النهج الذي يسلكه المجتمع الدولي ازاء قضايا المنطقة، يضاف اليه وضع لبنان العام. وحيث الدول الكبرى وعبر سفرائها في بيروت تتحدث عن أهمية الاستقرار فيه. وهذا الاستقرار يشغل بالها، انطلاقاً من دخول اللاجئين الى لبنان، واحتمالات أن يكون في حوزتهم الأسلحة، ثم هناك الموضوع السني الشيعي، والحوادث الأمنية التي تحصل على المستويات كافة، وما يحصل في المخيمات الفلسطينية وكلها أمور لا تطمئن، فضلاً عن أوضاع الجنوب والحوادث التي تحصل هناك ضد اليونيفيل وضد اسرائيل انطلاقاً منه.
وعدا عن ورقة الجنوب ولبنان ككل أيضاً، هناك أوراق أخرى يستطيع الاقليميون استثمارها ضد المجتمع الدولي. هناك جبهة الجولان والوضع العراقي، كما أن هناك قدرات التحرك في دول الخليج، وكذلك في الدول الأوروبية. وهناك الشيعة في دول الخليج، وفي أوروبا هناك خلايا قادرة على أعمال إرهابية، لديها مرجعية إقليمية، وعندما يراد بيع مواقف لخدمة أوروبا يتم كشفها لهم، وعندما يراد أن تبقى هذه الخلايا نائمة للاحتياط، فإنها تبقى نائمة الى حين تكليفها بمهمات أمنية لخدمة مصالح رعاتها أو توجيه رسائل سياسية عبرها. في حين أن ورقة حماس ضعفت جداً بعد تدخل مصر، والمصالحة التي تمت على المستوى الفلسطيني حتى انه بالنسبة الى ورقة حزب الله، فإنه ليس كل ما يملى عليه يقوم بتنفيذه، انما لديه رؤيته التي قد تتعارض في بعض الأحيان مع متطلبات الدول التي ترعاه.
لكن المصادر تؤكد أن لا مصلحة للدول الاقليمية، ولا سيما سوريا بتوتير الوضع، بحيث من الأفضل ألا تسيء الى المجتمع الدولي.
فالعلاقات بينها وبين العرب والغرب متوترة وليس من توقع بأن تعمد الى أن تكون سيئة أكثر مما هي حالياً. وهناك انتظار دولي لأي حدث كبير تكون دمشق وراءه، لكي يتم اللجوء بملفها الى مجلس الأمن الدولي، لا سيما بعدما فشلت كل المحاولات في اللجوء الى المجلس حول الوضع السوري، نتيجة الفيتو الروسي.
على أن الرسائل المضادة للمجتمع الدولي ستبقى، بحسب المصادر، تحت سقف منضبط ولا مصلحة لأية جهة في أن يصبح الوضع خارج السيطرة، في حين يبدو أن دمشق تقوم بمسعى للتهدئة مع العرب وليس للتصعيد. وأهمية ذلك في كسب مزيد من الوقت في انتظار التطورات.
على أنه في مسألة اطلاق الصاروخ من الجنوب، فإن المصادر تلفت الى أن أي حرب مع إسرائيل ليست مطلوبة الآن، لأنها تحيّد الأنظار عما يحصل مع الشعوب، وتصبح الأمور منزلقة الى اتجاهات أخرى. وهذا الاتجاه يدخل في سياق أن لا مصلحة بتوتير الاجواء مع المجتمع الدولي أكثر وهو الذي ينتظر أي تطور للذهاب به الى مجلس الأمن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.