تشكل زيارة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الى باريس محطة تقليدية مهمة في مسار العلاقات التاريخية التي تربط لبنان بفرنسا من جهة، والبطريركية المارونية والطائفة المارونية بفرنسا من جهة ثانية. وتكتسب الزيارة بعداً خاصاً لتصبح أكثر من تقليدية في ظل التزامات فرنسا حيال لبنان، ومستجدات المنطقة الحاصلة، ووضع المسيحيين فيها. كما أن لها رمزية في مدلولاتها، لا سيما وأنها تأتي تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وفق تقليد يقضي بأن يزور البطريرك الجديد بُعيد انتخابه فرنسا، بعد زيارته الفاتيكان، وبالتالي لا يزور أي بلد آخر قبل زيارته فرنسا. لذا، فانها الزيارة الأولى للبطريرك الى فرنسا، وسيلتقي غداً الاثنين الرئيس ساركوزي، كما يجري لقاءات رسمية أخرى مع رئيس الوزراء فرانسوا فيون ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه ورئيس الجمعية الوطنية برنار اكواييه ووزير الخارجية آلان جوبيه ووزير الداخلية كلود غيان ورئيس بلدية باريس برتران ديلانوي والجالية اللبنانية في فرنسا.
وتعكس الزيارة عمق الروابط بين الطرفين وأهمية شرح البطريرك للمسؤولين الفرنسيين الوضع اللبناني من جوانبه كافة والوضع المسيحي في المنطقة.
وأفادت أوساط ديبلوماسية فرنسية أن نقاط البحث ستركز على ما يلي:
ـ الوضع اللبناني الراهن والأهمية التي توليها باريس لسيادة لبنان واستقلاله والعدالة فيه. إنها الثوابت الفرنسية حيال لبنان، ومن الضروري إعادة تأكيدها أمام البطريرك، وهي رسالة فرنسا الدائمة، والتي تريد أن تدركها كل شخصية لبنانية مهما اختلف الطابع الذي تتميز به. وموقف فرنسا واضح من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وضرورة استكمال مهمتها. في حين أن موضوع العلاقة بين حزب الله والحكومة أو السلطة، ليس موضوعاً مدرجاً للبحث. وفرنسا تشجع دور بكركي في المساهمة بتوفير هذه المقومات.
ـ تشجع فرنسا أيضاً دور البطريركية في الفرنكوفونية، وفي التعاون الثقافي والتربوي لا سيما وأن هناك مدارس مارونية تلقن اللغة الفرنسية. أي أن بكركي شريك أساسي في التطور في شأن استخدام اللغة الفرنسية في لبنان، وهذا أمر مهم جداً لفرنسا.
ـ تدعم فرنسا المهمة التي يأخذها البطريرك على عاتقه في جمع المسيحيين، والجهود التي يقوم بها لجمع الطوائف اللبنانية، الأولى من خلال لقائه القيادات السياسية المارونية، والثانية من خلال القمة الروحية التي رعى انعقادها. وفي هذه الجهود كافة ايجابية واضحة كما تراها فرنسا، وتعتبر أنها مشروع البطريرك الراعي. وكانت باريس قدمت للبطريرك السابق نصرالله بطرس صفير نهاية السنة الماضية فكرة جمع القيادات المسيحية، كما أن لبنان يحتاج الى قمة روحية. كل هذه المبادرات ايجابية، ولكن في الوقت نفسه ترى باريس أنه كانت لدى البطريرك تصريحات في بداية مهمته، حول المحكمة وسوريا فاجأت المسؤولين الفرنسيين. لكن من المهم أن ترى فرنسا كل هذه الجهود للجمع بين المسيحيين.
ـ سيجري تبادل في وجهات النظر حول أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط. وترى باريس أن هؤلاء لعبوا دوراً أساسياً في المجتمعات في المنطقة، وهم يشكلون جزءاً من الهوية الشرق أوسطية. والمسيحيون موجودون في المنطقة منذ أكثر من 2000 سنة، إنهم كيان أساسي في المجتمعات في الشرق الأوسط، ومن الأهمية بمكان أن تحافظ هذه المجتمعات على وجود المسيحيين في هذه المنطقة.
ـ سيشدد الرئيس ساركوزي، وكذلك وزير الخارجية بشكل كبير على موقف فرنسا بأن لبنان دولة وجيشاً يجب أن يؤكد على أمن القوة الدولية العاملة في الجنوب اليونيفيل وعلى حرية حركتها. وهذا التشديد يأتي خصوصاً بعيد التفجيرات التي تستهدف هذه القوة وآخرها ما استهدف عناصر من الكتيبة الفرنسية.
وسيتناول الحديث الوضع في سوريا. وسيعرض الرئيس ساركوزي لموقف بلاده من تطور الموقف هناك، وضرورة وقف العنف وتقديم إصلاحات جدية. كما سيعرض الرئيس لمشروع القرار المعروض على مجلس الأمن لفرض عقوبات على النظام السوري، وآخر المشاورات الدولية حوله.
وتشير مصادر سياسية واسعة الاطلاع الى أن هذا الموضوع سيكون محور بحث، لا سيما وأن فرنسا تعتبر قائدة الحملة الغربية حول سوريا ومساندة للحراك الشعبي العربي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.