8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القرار الاتهامي.. عصر العدالة ينهي عصر القتل

تدرس عواصم الدول الكبرى، الصياغة التي قدمتها الحكومة اللبنانية لموضوع المحكمة الخاصة بلبنان في بيانها الوزاري، والتي جاءت كما وصفها ديبلوماسيون غربيون ضعيفة جداً لم يرتح إليها المجتمع الدولي، ولو لم تدل على تخلٍّ صريح عن المحكمة وعن علاقة لبنان بها. والاستعجال الذي حصل في إنجازها أشرَّ الى السباق مع صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي تم بُعيد ساعات على التفاهم على البيان الوزاري.
ولفتت أوساط ديبلوماسية بارزة، الى أن الحكومة ومن وراءها لم يتجنّبوا في هذه الصياغة، نزاعاً حاداً مع الدول الكبرى، التي كانت في الأساس ترى أن على لبنان الوفاء بالتزاماته الدولية لا سيما ما يتصل بالمحكمة، وهي كانت تَقْلَقْ حيال التباين الذي كان حاصلاً بين موقف ميقاتي من جهة والأطراف الأخرى في الحكومة من جهة ثانية، في وجهات النظر حول مقاربة المحكمة الخاصة بلبنان خصوصاً حزب الله. وهؤلاء يدركون تماماً أن الحزب تحديداً، لا يحترم المحكمة ولا يعترف بها.
وفي الساعات الأخيرة، وقبيل صدور عبارة المحكمة، والتوافق حولها، جرى تكثيف للاتصالات الداخلية والاقليمية التي دفعت في تسريع التفاهم حول النص، تماماً مثلما دفعت في اتجاه تشكيل الحكومة قبل نحو أسبوعين. لكن الأوساط، تلفت الى أن عدم التخلي الصريح عن المحكمة يطرح علامات استفهام حول الطريقة التي ستتبعها الحكومة مع طلبات المحكمة التي تنطلق في ضوء صدور القرار الاتهامي فوراً. وهذه الطريقة هي التي ستحسم عملياً ما إذا كان لبنان سيُدخل نفسه في نزاع مع الأمم المتحدة والمحكمة والمجتمع الدولي أم لا، لأن هذه الصياغة لا توضح المسار الذي سيسلكه لبنان فعلياً في تعاطيه مع طلبات المحكمة، وسط احتمالات ثلاثة هي: اتباع التجاهل التام لمطالبها أو مطالب الأمم المتحدة المتصلة بها، مواجهة عملية معها من خلال رد طلباتها والإبلاغ عن رفض التعاون لكل طلب يأتي في سياق عملها، أو أن يُصار الى تقديم خيار آخر.
لذلك يبدو مهماً التعامل مع أربعة مقتضيات يفرضها احترام لبنان للقرارات الدولية، ومنها المحكمة، في ضوء صدور القرار الاتهامي، وهي:
أولاً: الطلبات نتيجة القرار، إذ هناك أربع مذكرات توقيف لمتهمين باتت أسماؤهم معروفة، وسيكون هناك طلبات أخرى لتسليم مطلوبين أو متهمين. ومن ثم هناك طلبات لمعلومات إضافية الى الإدارات اللبنانية. فهل سيتم التعاون مع كل ذلك أو يتم رفض التعاون، أو تُبتكر طريقة لإيجاد حلول وسط؟ إن القرار الاتهامي لن يكون الأول والأخير، وهناك قرارات اتهامية أخرى ستتوالى لاحقاً، ولا تزال المحاكمة في بداياتها.
ثانياً: سيُطرح حتماً موضوع تمويل لبنان للمحكمة ونسبة هذا التمويل 49 في المئة من موازنتها السنوية. فهل ستوافق الحكومة على طلب الأمم المتحدة المتوقع لتمويلها أم لا؟ هناك معطيات، تفيد أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيُعاود الطلب الى الحكومة اللبنانية تسديد حصة لبنان في التمويل بعد نيل الحكومة الثقة. وثمة استحقاق أمام لبنان التعامل معه، في حين أن الرسالة الأولى للأمين العام حول هذه المسألة نهاية السنة الماضية، وُضعت في الأدراج ولم يتم الرد عليها.
ثالثاً: هناك مذكرة التفاهم والتعاون الموقعة بين لبنان والمحكمة. كيف سيتعامل لبنان معها، لا سيما وأن هناك طلبات للتعاون يتبلغها من المحكمة في ضوء صدور القرار الاتهامي ونتيجة للمعطيات التي يحملها، كما سيبلغ بها في ضوء القرارات الاتهامية الأخرى.
رابعاً، هناك استحقاق آخر، وهو التمديد لمهمة المحكمة ذاتها والتي تنتهي في 1 آذار 2012، وهذا التمديد يجب أن يتم من جانب مجلس الأمن، وبالتشاور بين الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية. والتمديد يُفترض أن يحصل نهاية هذه السنة أو بداية 2012 على أبعد مدى. والسؤال المطروح هل ستوافق الحكومة على التمديد في سياق مشاورات الأمم المتحدة معها؟
إن المجتمع الدولي، وفقاً للأوساط، سيحكم على الأفعال، والموقف الدولي واضح جداً، وقد أُبلغ الى ميقاتي مراراً وبشكل رسالة دولية جامعة، بأن هناك مشكلة كبيرة إذا تجاهل البيان المحكمة والتزاماته الدولية كافة، كما طُلب إليه أن يبلور قناعته الشخصية التي يعبّر عنها باستمرار حول الالتزام بالقرارات الدولية وعدم تعرض لبنان للمخاطر في البيان الوزاري وفي أفعال الحكومة. وتبلّغ أيضاً ضرورة حصول إجماع حول ما يجب أن تقوم به الحكومة فعلياً وواقعياً، تنفيذاً للبيان الوزاري.
وأكدت الأوساط أن القرار الاتهامي يدل على استقلالية عمل المحكمة وعمل القضاة وعلى عدم تسييس المحكمة، وأن المحكمة ستتابع عملها وفق هذه المبادئ على الرغم من كل الظروف السياسية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00