زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير جيفري فيلتمان بيروت، هي الأولى له بعد الزيارة التي قام بها للبنان في الصيف الماضي إثر زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مباشرة، سعياً الى أن تحقق الإدارة نوعاً من التوازن بالنسبة الى الوضع اللبناني، والذي لا يزال حالياً في صلب اهتمامها على الرغم من التطورات في الدول العربية.
إنها زيارة أكثر من استطلاعية أو استكشافية، وفقاً لمصادر ديبلوماسية بارزة، انها زيارة لإبلاغ رسائل سياسية، أو لنقل أجواء أميركية من أجل ان تُتخذ على أساسها خطوات محددة. إذ ان مسؤولاً رفيعاً على مستوى فيلتمان لا يستطلع فقط، فالسفيرة مورا كونيللي تُعلم الإدارة باستمرار بتطور الموقف في لبنان. مع الإشارة، الى ان كونيللي كانت بمثابة تلميذته، وهي شغلت سابقاً منصب نائبته في وزارة الخارجية الأميركية.
والأيام المقبلة ستظهر ما إذا كانت الزيارة ستؤثر في تشكيل حكومة، أو اعتذار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، أو مزيد من التأخير، أو فراغ لا افق له. ولا تستبعد المصادر، ان يحمل معه اقتراحاً متعلقا بالتشكيل. وبالتالي ان إرسال الإدارة لمسؤول في مستوى فيلتمان في هذه المرحلة الحساسة في المنطقة، يحمل في طياته بعداً خاصاً ولاسيما ان فيلتمان كان في صلب اتخاذ القرار في البيت الأبيض خلال السنوات الماضية وإلا فبإمكان أي موظف عادي الاستكشاف أو الاستطلاع.
وتبعاً لذلك، يأتي توقيت الزيارة في ظل ظروف مستجدة في لبنان والمنطقة أبرزها:
ـ وجود فريق لبناني لا مشاكل لديه مع الشرعية الدولية خارج السلطة. أي فريق 14 آذار. في خطوة استفزازية عندما كان رئيس هذا الفريق في اجتماعات في الولايات المتحدة. هذا ما يؤخذ بالاعتبار، وهو الأمر الذي يهم المجتمع الدولي.
ـ هناك مستجدات في المنطقة ولا سيما في سوريا، الأمر الذي فرض على المجتمع الدولي، وفي مقدمه واشنطن، البدء بتعديل سياستها حيال سوريا، بعد مرحلة امتدت ثلاث سنوات من مسار الانفتاح والحوار، والذي أسهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في تعزيزه. لكن هذا التعديل، لم يتضح مداه، ولم يتضح لمصلحة أي فكرة أو هدف. هل هو لمصلحة التغيير، أو هزّ العصا من أجل تغيير سلوك أو مواقف، لكي يصبح السلوك أكثر تجاوباً مع بعض المطالب في ما يتصل بسوريا، وملفات المنطقة ومنها لبنان، أم ماذا؟
ما هي الاستراتيجية؟ وكيف سيتم التعامل مع الوضع اللبناني في ظل المستجدات السورية؟
- ان توقيت الزيارة يأتي في ظل تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية، نتيجة احد ابرز الاسباب المتصلة بالوضع السوري، اذ لم يعد هذا الموضوع اولوية في دمشق في هذا الظرف. مع ان افرقاء لبنانيين ينتظرون موقفها في التشكيل فتأتي الزيارة سعياً الى تعزيز الدور الاميركي في التأثير في الوضع اللبناني، في وقت تحجم دمشق عن دورها بسبب ظروفها، ولكن ايران قصدت في التوقيت، نفسه ايفاد نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط محمد رضا شيباني موفداً من الرئيس نجاد لإبلاغ رسالة إيرانية محددة، بالتزامن.
ويهم فيلتمان تنفيذ القرار 1701 الذي يبقي على الوضع هادئاً في الجنوب، بعد القلق الاميركي نتيجة احداث الاحد الماضي، كما يهمه تعاون لبنان مع المحكمة الخاصة به.
وتأتي زيارة فيلتمان لبيروت بالتزامن من الخطاب الذي القاه الرئيس الاميركي باراك اوباما حول استراتيجيته في المنطقة، قبيل وصول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن اليوم الجمعة. وهدف اعلان الاستراتيجية بحسب اوساط ديبلوماسية في واشنطن هو ملاقاة ما يحصل في العالم العربي في منتصف الطريق، مع الاشارة الى انه بالنسبة الى السلام، فإن المشكلة كانت ولاتزال لدى اسرائيل في عرقلتها المساعي السلمية وفي رغبتها فرض مصالحها على التفاوض. وتدرك واشنطن تماماً اهمية المنحى الذي يسير في اتجاه استصدار قرار عن الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول المقبل، يعترف بدولة فلسطين. وثمة نجاح حققه الفلسطينيون في جهودهم الدولية في هذا المجال، وكسبوا تعاطفاً ولاسيما من دول اميركا اللاتينية والاتحاد الاوروبي. الولايات المتحدة واسرائيل لا تريدان هذا النوع من الحلول، لكن قد يحفز السعي الى اعلان الدولة الفلسطينية الطرفين الى تحرك اكثر جدية قبل ايلول في عملية السلم. كما ان التفاهم بين حركتي فتح وحماس يشكل عامل ضغط على واشنطن وتل ابيب للتحرك، اذ ان اي اعلان للدولة لن يتم والطرفان الفلسطينيان منقسمان، وتفاهمهما يسهل قيام الدولة، الذي يعد انتصاراً كبيراً للفلسطينيين.
واوضحت هذه الاوساط، ان لا تفاؤل كبيراً لوجود ديفيد هيل خلفاً لجورج ميتشل في منصب الموفد الرئاسي الاميركي لعملية السلام، ليس لسبب الا لما يرتبط بالتعنت الاسرائيلي، ذلك ان هيل سيأخذ فرصته في بذل الجهود للسلم، بعدما باءت مساعي ميتشل لتحقيق خطته لوقف الاستيطان اولاً بالفشل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.