من المستبعد أن يحصل رد فعل فوري من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، حيال عدم تعاون أربع وزارات لبنانية بالكامل مع طلبات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. مع أن هذا السلوك يقدم مؤشراً حول ما يمكن أن يسلكه لبنان في ظل الحكومة التي يتم تشكيلها برئاسة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي حيال المحكمة، والذي بدأ هذا المنحى منذ الآن وفي ظل حكومة تصريف الأعمال.
إلا أن عدم التعاون أو وقف التعاون الكامل مع المحكمة، يمكن بحسب مصادر ديبلوماسية بارزة، أن يفتح الباب على صدور قرارات جديدة عن مجلس الأمن تتناول لبنان في وقت لاحق، على اعتبار أن عدم التعاون يشكل مشكلة دولية كبيرة أمام لبنان.
ولعل موضوع طريقة التعامل مع المحكمة، هو من بين أبرز الأسباب التي كانت وراء تأخير تشكيل الحكومة، بحيث يسعى الرئيس ميقاتي الى موقف وسط حيال هذه المسألة، إذ يريد علاقة جيدة مع المجتمع الدولي ولا يريد قطيعة معه، ويريد في الوقت نفسه أن يرضي حزب الله. ولا يبدو حتى الساعة أن صياغة حدود لهذا الموقف قد جرى التوصل اليها، وسط اقتراب موعد اعلان قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة دانيال فرانسين عن تفاصيل في القرار الاتهامي نهاية آذار الجاري، وفقاً لبعض التوقعات الديبلوماسية.
ولن يشكل وجود حكومة أم لا فارقاً بالنسبة الى المسار القانوني للقرار الاتهامي، إذ ليست المسألة مجرد صدوره وإعلانه إذا ما تم ذلك، بل يعبّر القرار عن عملية قضائية طويلة المدى وعن أهمية الأدلة المقنعة، مع الاشارة الى أن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع لتأخذ موقفاً حيال تفاصيله، والحكومة الجديدة التي في حال عدم تشكيلها بعد، لن تأخذ موقفاً في الوقت نفسه، إنما سيتضمن برنامجها مدى العلاقة بين لبنان والمحكمة، بحيث تتعامل لاحقاً مع ما يصدر عنها وفقاً لهذا البرنامج.
وبالتالي، هنا تكمن أهمية التشكيلة الحكومية، من فيها يقف ضد وقف التعاون مع المحكمة، ومن يقف الى جانب التعاون؟ وما اذا كان الثلث في الحكومة الذي يفترض أن يكون من حصة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء معاً، مستعداً لتعطيل أي توجه بوقف التعاوف مع المحكمة أم لا؟.
على أن حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على التعامل مع تفاصيل القرار محلياً، على الرغم من أن وجود هذه الحكومة يؤكد أن في لبنان سلطات موجودة دائماً ولا يوجد فراغ في المرجعية الدستورية. ولكن على حكومة الرئيس ميقاتي التعامل مع قرار المحكمة اذا كانت قد تشكلت أو بعد. وربما، استناداً الى المصادر، يؤدي صدور تفاصيل القرار قبل تشكيل الحكومة، الى تعقيد هذا التشكيل، ما يزيد في الوضع المحرج للرئيس المكلف، الذي تم القبول به لتجميل الصورة في العلاقة مع الخارج، ولاستيعاب صدمة تفاصيل القرار.
يذكر أن التوقعات الديبلوماسية تشير الى استمرار التوجه بأن تبقى تفاصيل القرار سرية. وفي كل الأحوال فإن الحكومة بعد تشكيلها ستتعامل مع تفاصيل القرار سلباً أو ايجاباً، وان كان رئيسها قد يفضل معرفة القرار قبل الدخول في تركيبة الحكومة وبيانها الوزاري.
وتبعاً لذلك، لا فارق بالنسبة الى القرار لأنه سيتم الطلب الى الدولة تسليم المتهمين، وأي حكومة لن تتمكن من تسليمهم. وتدرك كل الجهات هذه المسألة، ولهذا السبب جرى قبل مدة تعديل أصول الإجراءات لدى المحكمة وأجيزت المحاكمة غيابياً. والقضية تبقى معنوية وسياسية، ونقل المحاكمات على شاشات التلفزة في حد ذاته مؤشر معنوي، عدا عن المواقف الدولية.
وتكشف المصادر ان موازنة المحكمة لسنة 2011 الحالية بلغت 67 مليون دولار، حصة لبنان منها 32 مليون دولار، ويفترض أن تدفع على مرحلتين. ويذكر أن نسبة مساهمة لبنان في تمويل المحكمة تبلغ 49 في المئة، والأمم المتحدة طلبت سدادها، وهي ستكرر هذا الطلب إذا لم يُصَر الى الدفع، لا سيما وان المحكمة باتت في أمس الحاجة الى التمويل، ولم يعد لديها الآن إلا ما يكفي حتى نيسان المقبل.
ومن المستبعد افشال المحكمة بسبب التمويل اذا لم يغطِ لبنان مساهمته، ويمكن أن يتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً في قمته التي ستنعقد يوم الجمعة المقبل بدفع مبلغ مالي للمحكمة يتراوح بين 5 ملايين و10 ملايين دولار أميركي.
ورصدت الولايات المتحدة مبالغ للمحكمة لعدد من السنوات المقبلة، وقد تعمل على تسليف المحكمة من أصلها، لأن المهم أن تبقى تعمل، واالأموال تشكل الشريان الحيوي لمهمتها. وربما يعود التريث العربي في سداد المبالغ المالية الى انتظار صدور القرار الاتهامي.
ويبقى المهم تعاون لبنان مع المحكمة، لأن عدم التعاون سيجر ردّ فعل بشكل أو بآخر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.