تزامن فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، الذي أطلق توقعاً بميل أميركي الى التشدد في السياسة الخارجية، مع تشكيل حكومة فرنسية تعبر عن الحاجة الى كل الاتجاهات في اليمين والشيراكية مثل الوزيرين فيها ميشال اليو ماري والان جوبيه، هي حكومة تحضيرية للانتخابات الرئاسية في 2012. فهل يمكن القول ان هناك تنامياً للتشدد في السياسة الخارجية في كل من واشنطن وباريس معاً بفعل الظروف الداخلية لكل منهما؟ فإذا صح ذلك، فما انعكاسات ذلك على الموضوع اللبناني؟
التشدد الأميركي الفرنسي في مواقفهما الخارجية، بات مؤكداً، لكن الأمر لن يذهب في المنحى نفسه الذي اتبعته الإدارة الأميركية خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش، ولا الذي اتبعته إدارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.
التشدد سيكون بطريقة أخرى في الإصرار على المواقف والاستعداد للحوار، لكن من دون التنازل عن تحقيق الخطوات اللازمة في أي حوار يعتمد.
كما ان التشدد يكون في ملفات محددة.
هذا ما تؤكده مصادر ديبلوماسية بارزة، ترى ان المحكمة الخاصة بلبنان، واستقرار لبنان، والقرارات الدولية حوله، هي من ضمن هذه الملفات محور التشدد والتي لا تراجع فيها. وهناك ملفات أخرى، مثل الملف النووي الإيراني والقرارات الدولية المعنية بالعقوبات على طهران على الرغم من انها لن تكون لديها القدرة على تغيير مواقف إيران السياسية مهما كانت الضيقة الاقتصادية التي تحدثها هذه العقوبات.
التشدد الفرنسي بدأ منذ ان تعرض جنود فرنسيين في اليونيفيل لاعتداء.
إذ اعتبرت باريس ان الأمر تعدٍ شخصي عليها وازداد هذا التشدد بعد اعتبار الإدارة الفرنسية ان الحوار الذي لم يؤدِ الى نتيجة بعد الانفتاح الإقليمي، لا يجب ان يستمر على قاعدة العطاء من دون الأخذ. لن يتم التراجع عن الحوار، لكن بشرط ان يؤدي الى تحقيق الثوابت الأميركية الفرنسية حول الملفات المطروحة. واشنطن ستسير في مسألة المحكمة حتى النهاية وباريس تتبعها في ذلك. مع تعديل في الأسلوب الفرنسي ليصبح أكثر براغماتية لناحية القدرة على الأخذ بالاعتبار كل المساعي المبذولة من خلال الحوار المفتوح مع كل الأطراف الداخليين والإقليميين حول مواكبة مرحلة القرار الاتهامي وما بعده. ومع ذلك، لا مقايضة فرنسية للعدالة، بالاستقرار، لا بل انها تعتبرهما متلازمين، لا سيما وان المحكمة انبثقت عن قرارات دولية لا يمكن القبول بتقويضها.
التشدد الواضح لدى واشنطن بعدما بدأ الجمهوريون يأخذون زمام المبادرة وبعدما تبين لهم عدم نجاح سياسة الرئيس باراك أوباما في الحوار والانفتاح الإقليميين وفي عملية السلام في المنطقة.
إلا انه سيكمل في الخط الحواري مع تشدد في بعض الملفات. ففي موضوع المحكمة والاستقرار، ثمة دعم كامل للفريق السيادي لشد أزره، وقد سددت الولايات المتحدة جزءاً من تمويل للمحكمة، وقامت بريطانيا بناء على طلب أميركي بتسديد مساهمة لها في صندوقها. تبع ذلك تشديد على الالتزامات الأميركية تجاه لبنان، والإشارة بشكل حازم الى تحميل مسؤولية تقويض الاستقرار في لبنان لمن يقوم بذلك وعدم السماح بهذا التوجه. ثم كانت هناك إعادة الالتزام تجاه الجيش اللبناني وتسليمه دفعة مهمة من المساعدات مؤخراً قد عبّر ذلك عن جواب أميركي على الهجوم على المحكمة، والتهديدات بعظائم الأمور في حال صدور القرار الاتهامي من جانب حزب الله.
وهذا الجواب الأميركي كان في مجال العمل لإعادة التوازن مع الخطاب المعارض في البلد.
فكانت مساندة أكثر قوة وصلابة للجيش، الذي يعبر عن المؤسسات الشرعية اللبنانية، وعن الجهة التي تحمي هذه الشرعية.
فرنسا ضمن هذا الخط تبدي مرونة في استمرار الانفتاح على سوريا في ما يتعلق بلبنان، وفتح الحوار مع كل الأطراف من أجل الوضع اللبناني. وهي، التي تمتلك الخبرة الوافية في الملف اللبناني، على تنسيق مستمر مع الأميركيين حول هذه المرونة ضمن خط التشدد المدروس.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.