تسود الكونغرس الاميركي حالة من التململ من سياسة الحوار والانفتاح مع سوريا، اذ يعتبر المسؤولون عن اشاعة هذه الحالة، ان هذه السياسة لم تؤد الى نتيجة، وان أي تقدم في سبيل التفاهم الاميركي السوري لم يحصل. وعلى العكس من ذلك، بدأت الاتهامات المتبادلة تشتد، كأنه كلما انزلقت العلاقة في اتجاه التدهور، عملت دمشق على الرد في اكثر من مجال.
فهل هناك سوء فهم متبادل من الطرفين ادى الى عدم نجاح سياسة الحوار او تحقيق اهدافها، ام ان هناك فهماً اكثر من جيد من كل طرف لسلوكيات الطرف الآخر واهدافه؟.
مصادر ديبلوماسية تؤيد وجود سوء فهم بين الطرفين لمقاربة الطرف الآخر. إذ ان كلاً من واشنطن ودمشق ابدتا فهماً مغايراً لموضوع الحوار والانفتاح اللتين سعت ولا تزال ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى اعتمادهما سبيلاً لحل القضايا العالقة في المنطقة، ولبنان من بينها. فدمشق اعتقدت ان سياسة اوباما التي تختلف عن سياسة سلفه الرئيس جورج بوش، تعني مجالاً لتقوم بما تريده ولتوسيع دورها في مواقع عديدة في المنطقة. وتعني لها انها صفحة جديدة، تمكنها بذهاب بوش من اتاحة المجال لتقوية النفوذ السوري والعودة به الى سابق عهده. كما ان دمشق اعتقدت ان واشنطن لن تضيع فرصة الانفتاح على سوريا والاستعدادات السورية المقابلة لها، والتي شجعتها الانطباعات التي صدرت عن مسؤولين اميركيين وآخرين في الكونغرس، بأن الدور السوري في المنطقة مهم. كما اعتقدت انه لمجرد الدخول في حوار مع واشنطن فان الدور السوري سيكون بمثابة هدية سياسية نظرا الى تغيير الاسلوب الاميركي.
والادارة الاميركية اعتقدت ان دمشق ستلاقيها بالايجابية القصوى من خلال فتح صفحة جديدة وحوار، وانها ستقوم باعطائها ما تريد لتحقيق مطالبها منها في كل الملفات المطروحة في المنطقة، في حين ان واشنطن ارادت من الانفتاح التعامل بأسلوب آخر، بالحوار والكلام، لكن الشروط الاميركية بقيت هي نفسها والمطالب نفسها. فلا شيء تغير سوى الاسلوب. وابلغت واشنطن خلال الحوار الى دمشق ان مصالحها لاتزال هي نفسها في مسائل: الملف النووي الايراني، والموضوع العراقي والفلسطيني واللبناني، فضلا عن ضبط حزب الله وحماس، وضبط امدادات السلاح اليهما. فمصالح الولايات المتحدة دائمة ولن تتغير في فحواها نتيجة تغيير الاسلوب. ولم تكن الادارة لتدرك ان دمشق يمكن ان تفهم انفتاحها بشكل آخر، يختلف عما تقصده. واعتبرت ان المسألة ليست كذلك، وان الادارة هي التي تضع الشروط وقواعد اللعبة وليس اي طرف آخر في المنطقة، وانها وحدها القوة العظمى في العالم.
الا أن مصادر ديبلوماسية غربية تقول ان الطرفين الأميركي والسوري يفهمان جيداً على بعضهما، وانه مقابل تعاونهما، طلبت دمشق ثمناً يفوق بكثير ما تتوقعه واشنطن أو ما تريد تقديمه، الأمر الذي جعل الحوار يراوح مكانه، ولم يتقدم الا بشكل طفيف: حيال الموضوع العراقي تعاونت دمشق بحدود، وفي لبنان تعاونت وأقامت العلاقات الديبلوماسية معه.
وتعتبر المصادر، ان تجديد الادارة للعقوبات ضد دمشق، على الرغم من مطالبات سوريا المتكررة بإلغائها، أبلغ دليل على انهنا لن تلغى ما لم يحصل تعاون فعلي وتام. حتى ان ايفاد السفير الأميركي روبرت فورد الى دمشق تعرقل في الكونغرس من جراء التململ من الحوار الذي لم يؤدِ الى تقدم. وبات ايفاده مرتبطاً بالضغط من الكونغرس على الادارة لاعادة النظر بسياسة الانفتاح، مع توقع ايفاده لكن بعد جهد من الادارة، لتبديد النقمة. عملياً، لم تحصل دمشق على اي ثمن من واشنطن، ان كان عبر الدور في لبنان أو الشرق الأوسط او بالنسبة الى المحكمة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وفي التفاوض السلمي مع سوريا، فإنه لا يبدو ان هناك استئنافاً للعملية على المسار السوري الاسرائيلي. ولن يتم تقديم اي مسألة الى دمشق ما لم تتقدم في تعاونها.
وسجلت المصادر انزعاجاً أميركياً من حملات بعض الأفرقاء اللبنانيين القريبين من دمشق على زيارات أميركية للبنان وعلى بعض الاتفاقيات، وتعتبر ان كل ذلك يصب في ردود الفعل السورية على طبيعة المستجدات في العلاقة بينها وبين واشنطن. لكنها تعتقد ان هذه الردود لن تصل الى التوتير الأمني في شتى اشكاله، لأنه لا يلعب دوراً مفيداً في ظل النفوذ المتجدد ولو بشكله الحالي. حتى ان الادارة التي ستوفد السفير الأميركي في النهاية، لا تقصد تسليف أو اعطاء تقديمات سياسية بل استكمال الحوار على مستوى يتمكن خلاله السفير من النقاش والحوار مع الجميع في دمشق. علماً ان الكونغرس وضع معادلة جدوى ارسال السفير من جدوى الحوار، وان الادارة لم تكن في الأساس لتجلس جانباً بينما الحوار الفرنسي مع سوريا قائم.
ولا تتوقع المصادر ان يعود التشدد في العلاقة الأميركية السورية، الى ما كان عليه أيام بوش وفي المدى المنظور، انما المرجح بقاء مرحلة عدم التقدم الى الحد الذي يجعل الطرفين ينتظران ردود فعل بعضهما البعض، في انتظار تطورات كبرى.
وتبقى نتائج هذا الوضع وانعكاساته على كل الملفات المطروحة في المنطقة، ومدى القدرة على الاستمرار في أجواء التهدئة فيها نظراً الى تقاطع المصالح حول ذلك. فهل لا يزال مبكراً الحكم على عدم نجاح سياسة الحوار؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.